أربعون عاماً من الجنون الثوري (1)

| سالم الكتبي

احتفل‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬مؤخراً‭ ‬بالذكرى‭ ‬الأربعين‭ ‬لقيام‭ ‬ثورة‭ ‬الخميني،‭ ‬والتي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬وجه‭ ‬المنطقة‭ ‬تماماً‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬رفعت‭ ‬شعار‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة،‭ ‬ووضعت‭ ‬هذا‭ ‬الشعار‭ ‬هدفاً‭ ‬ذا‭ ‬أولوية‭ ‬في‭ ‬دستور‭ ‬البلاد‭!‬

سنوات‭ ‬وعقود‭ ‬مضت‭ ‬ومراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬المتخصصة‭ ‬تستغرق‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬إيران‭ ‬وفترات‭ ‬تأرجحها‭ ‬بين‭ ‬الثورة‭ ‬والدولة،‭ ‬حيث‭ ‬انحاز‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬إلى‭ ‬فرضية‭ ‬انتقال‭ ‬الملالي‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬الثوري‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬بناء‭ ‬الدولة،‭ ‬بينما‭ ‬رأى‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬الفورة‭ ‬الثورية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تطغى‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬المذهبي،‭ ‬لا‭ ‬السياسي،‭ ‬للملالي‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬واستخدم‭ ‬كل‭ ‬أصحاب‭ ‬رأي‭ ‬ما‭ ‬يرونه‭ ‬من‭ ‬دلائل‭ ‬وبراهين‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬صحة‭ ‬رؤيتهم‭ ‬التحليلية،‭ ‬وأسهمت‭ ‬الأحداث‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬مرت،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬طرفاً‭ ‬فيها‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬تغليب‭ ‬رؤية‭ ‬طرف‭ ‬على‭ ‬الآخر؛‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬حين‭ ‬هدأت‭ ‬الأمور‭ ‬وجاء‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬محمد‭ ‬خاتمي‭ ‬للحكم‭ ‬سارع‭ ‬أصحاب‭ ‬فكرة‭ ‬تحول‭ ‬الثورة‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬للانتصار‭ ‬لرأيهم‭ ‬واستشهدوا‭ ‬بما‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬شكلية‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬خاتمي،‭ ‬وحين‭ ‬حدث‭ ‬العكس‭ ‬بمجيء‭ ‬أحمدي‭ ‬نجاد،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬ميل‭ ‬للصدام‭ ‬والتهور،‭ ‬تراجع‭ ‬أنصار‭ ‬رؤية‭ ‬الدولة‭ ‬وفقدوا‭ ‬حماسهم‭ ‬لمصلحة‭ ‬أصحاب‭ ‬فكرة‭ ‬غلبة‭ ‬الثورة‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬الملالي‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭!‬

الواضح‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬البحثي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬منطقياً‭ ‬من‭ ‬أساسه،‭ ‬فالواقع‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يطرأ‭ ‬تغيير‭ ‬يذكر‭ ‬على‭ ‬السلوك‭ ‬السياسي‭ ‬الإيراني‭ ‬منذ‭ ‬ثورة‭ ‬الخميني،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تغيرات‭ ‬شكلية‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬وأن‭ ‬العالم‭ ‬ينخدع‭ ‬وينساق‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات‭ ‬متناسياً‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬كلها‭ ‬تبدو‭ ‬مسألة‭ ‬“لعبة‭ ‬العرائس”‭ ‬التي‭ ‬يحركها‭ ‬رأي‭ ‬النظام‭ ‬وعقله‭ ‬المدبر‭ ‬وقمة‭ ‬هرم‭ ‬السلطة،‭ ‬متمثلاً‭ ‬في‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى،‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬السلطة‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬فهو‭ ‬الحاكم‭ ‬الحقيقي‭ ‬والفعلي،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬يدير‭ ‬اللعبة‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يرى‭ ‬بحيث‭ ‬يقدم‭ ‬ويؤخر‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬الشكلي‭ ‬للنظام،‭ ‬ويزاوج‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يعتبرهم‭ ‬البعض‭ ‬“إصلاحيين”،‭ ‬ومن‭ ‬يراهم‭ ‬فريق‭ ‬ثان‭ ‬“محافظين‭ ‬متشددين”،‭ ‬ويقدم‭ ‬هذا‭ ‬ويؤخرا‭ ‬ذاك‭ ‬وفق‭ ‬أهداف‭ ‬يريد‭ ‬تحقيقها،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬محاولة‭ ‬الإفلات‭ ‬والهروب‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬الزجاجة‭ ‬“النووي”‭ ‬بامتلاك‭ ‬“القنبلة”،‭ ‬بينما‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬هم‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الأوفياء،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬تباينات‭ ‬أو‭ ‬خلافات‭ ‬ظاهرية‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬خلافات‭ ‬تكتيكية‭ ‬حول‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬النظام‭ ‬وليس‭ ‬حول‭ ‬مبادئه‭ ‬وثوابته‭ ‬وأهدافه‭ ‬الرئيسية‭. ‬“إيلاف”‭.‬