بنك الوقت البحريني

| زهير توفيقي

من‭ ‬فوائد‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أننا‭ ‬نتلقّى‭ ‬سيلاً‭ ‬من‭ ‬الرسائل،‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬قيّمة،‭ ‬وقد‭ ‬تحمل‭ ‬أخباراً‭ ‬عن‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ننادي‭ ‬به‭ ‬دائماً،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬طُبقت‭ ‬بطريقة‭ ‬صحيحة،‭ ‬فهي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬مفيدة‭ ‬جداً‭. ‬وأنا‭ ‬متأكد‭ ‬أن‭ ‬قارئ‭ ‬المقال‭ ‬سيستغرب‭ ‬من‭ ‬العنوان،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لن‭ ‬يُدرك‭ ‬ما‭ ‬أعنيه،‭ ‬لذلك‭ ‬دعوني‭ ‬أقدّم‭ ‬لكم‭ ‬فكرة‭ ‬هذا‭ ‬البنك‭ ‬الرائع‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬كل‭ ‬معاني‭ ‬المبادئ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والتعاليم‭ ‬السمحة‭ ‬لديننا‭ ‬الحنيف‭.‬

طالب‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬سويسرا،‭ ‬يسكن‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬بمنزل‭ ‬امرأة‭ ‬عمرها‭ ‬67‭ ‬سنة،‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬قبل‭ ‬تقاعدها،‭ ‬وتستلم‭ ‬الآن‭ ‬راتباً‭ ‬تقاعدياً‭ ‬مجزياً‭ ‬ولكنها‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬تذهب‭ ‬للعمل‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬الأسبوع،‭ ‬عملها‭ ‬هو‭ ‬رعاية‭ ‬رجل‭ ‬مسن‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬87‭ ‬سنة،‭ ‬أعجب‭ ‬الشاب‭ ‬بما‭ ‬تفعله‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬وسألها‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬لكسب‭ ‬المال،‭ ‬فنفت‭ ‬ذلك‭ ‬وقالت‭ ‬إنها‭ ‬تعمل‭ ‬لتكسب‭ ‬الوقت،‭ ‬وتودع‭ ‬لنفسها‭ ‬وقتاً‭ ‬في‭ ‬بنك‭ ‬توفير‭ ‬الوقت‭ ‬أو‭ ‬بنك‭ ‬الزمن،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬عملها‭ ‬تودع‭ ‬الزمن‭ ‬لكي‭ ‬تستطيع‭ ‬الصرف‭ ‬منه‭ ‬عندما‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬عند‭ ‬تقدمها‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬تصاب‭ ‬بحادث‭ ‬وتحتاج‭ ‬لمن‭ ‬يساعدها‭.‬

يقول‭ ‬الطالب‭ ‬سألتها‭ ‬عن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المعلومات،‭ ‬فأجابت‭ ‬بأن‭ ‬الحكومة‭ ‬السويسرية‭ ‬أنشأت‭ ‬البنك‭ ‬كضمان‭ ‬اجتماعي‭ ‬للناس،‭ ‬حيث‭ ‬يفتح‭ ‬كل‭ ‬راغب‭ ‬حساباً‭ ‬للزمن‭ ‬بحيث‭ ‬يُحسب‭ ‬له‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يقضيه‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬خدمة‭ ‬المسنين‭ ‬والمرضى‭.‬

يُشترط‭ ‬في‭ ‬المشترك‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سليماً،‭ ‬معافى،‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬ولديه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التحمل‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬بنفس‭ ‬راضية‭ ‬وبكل‭ ‬إخلاص،‭ ‬وعندما‭ ‬يحتاج‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬للمساعدة‭ ‬يتولى‭ ‬البنك‭ ‬إرسال‭ ‬متطوع‭ ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬ليخدمه‭ ‬ويُخصم‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬حسابه،‭ ‬ويمكن‭ ‬للمتطوّع‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬الخدمات‭ ‬للمحتاج‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬أو‭ ‬البيت‭. ‬

ذات‭ ‬يوم،‭ ‬سقطت‭ ‬المرأة،‭ ‬صاحبة‭ ‬المنزل،‭ ‬أثناء‭ ‬تنظيف‭ ‬نافذتها‭ ‬وكُسر‭ ‬كاحلها‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬اضطرها‭ ‬لملازمة‭ ‬السرير‭ ‬عدة‭ ‬أيام،‭ ‬فأراد‭ ‬الطالب‭ ‬تقديم‭ ‬إجازة‭ ‬اضطرارية‭ ‬لمساعدتها‭ ‬لكنها‭ ‬أخبرته‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬مساعدته‭ ‬لأنها‭ ‬قدمت‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬سحب‭ ‬من‭ ‬رصيدها‭ ‬في‭ ‬البنك،‭ ‬وأنهم‭ ‬سيرسلون‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬يساعدها‭. ‬وأرسل‭ ‬لها‭ ‬البنك‭ ‬المساعد‭ ‬وممرضة‭ ‬عندما‭ ‬احتاجت‭ ‬ذلك‭. ‬هكذا‭ ‬يعمل‭ ‬بنك‭ ‬الوقت،‭ ‬والشعب‭ ‬السويسري‭ ‬يؤيد‭ ‬البنك‭ ‬بشدّة‭ ‬ويدعمه‭.‬

باختصار‭ ‬البنك‭ ‬وجد‭ ‬لتبادل‭ ‬أو‭ ‬مقايضة‭ ‬الخدمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تبادل‭ ‬الأموال،‭ ‬الفكرة‭ ‬جميلة‭ ‬جداً‭ ‬ومفيدة،‭ ‬ويمكن‭ ‬تطبيقها‭ ‬لكنها‭ ‬تتطلب‭ ‬انضباطاً‭ ‬وإحساساً‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬ووجود‭ ‬إدارة‭ ‬جادّة‭ ‬وحريصة‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬والمجتمع‭.‬

 

ليس‭ ‬من‭ ‬المعيب‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬من‭ ‬الآخرين‭ ‬ونستفيد‭ ‬من‭ ‬تجاربهم‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬للدين‭ ‬بتلك‭ ‬المبادرات‭ ‬طالما‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬خدمة‭ ‬البشرية‭ ‬وتحمل‭ ‬بعداً‭ ‬إنسانياً‭. ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬“من‭ ‬نفس‭ ‬كربة‭ ‬أخيه‭ ‬المسلم‭ ‬نفس‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬كربة‭ ‬من‭ ‬كرب‭ ‬يوم‭ ‬القيامة،‭ ‬ومن‭ ‬يسر‭ ‬على‭ ‬معسر‭ ‬يسر‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة،‭ ‬والله‭ ‬في‭ ‬عون‭ ‬العبد‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬العبد‭ ‬في‭ ‬عون‭ ‬أخيه‭. ‬والله‭ ‬من‭ ‬ورء‭ ‬القصد‭.‬