قهوة الصباح

“الميثاق”‭ ‬ليس‭ ‬أفقًا‭ ‬واحدًا‭ ‬بل‭ ‬آفاق

| سيد ضياء الموسوي

أنا‭ ‬رجل‭ ‬مريض‭ ‬بالأمل‭ ‬“لا‭ ‬نتوب‭ ‬عن‭ ‬أحلامنا‭ ‬مهما‭ ‬تكرر‭ ‬انكسارها”،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬أسدد‭ ‬دَيْني‭ ‬الوطني،‭ ‬وكل‭ ‬الأقساط‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬عليَّ‭ ‬كمراقب‭ ‬وكناقد‭ ‬محب‭ ‬وسطي‭ ‬يطمح‭ ‬في‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬إنارة‭ ‬كل‭ ‬قناديل‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭. ‬أحيانا‭ ‬حتى‭ ‬مبضع‭ ‬الجراح‭ ‬يمل‭ ‬جرّاحه‭ ‬ويحن‭ ‬لعطلة‭ ‬رسمية،‭ ‬لكن‭ ‬خياطة‭ ‬جراح‭ ‬الوطن‭ ‬تحتاج‭ ‬فدائيا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يوزع‭ ‬“الجوكليت”‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬العزاء‭.‬

لهذا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نربي‭ ‬الأمل‭ ‬كطفل‭ ‬صغير،‭ ‬نزّرقه‭ ‬كل‭ ‬فترة‭ ‬بمصل‭ ‬جديد‭ ‬ضد‭ ‬شلل‭ ‬الأطفال،‭ ‬نرش‭ ‬على‭ ‬رقبته‭ ‬البودرة‭ ‬التفاؤلية،‭ ‬نهبه‭ ‬الأرجوحة‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬سياج‭ ‬الحديقة‭ ‬ممزقا‭ ‬من‭ ‬رياح‭ ‬السياسة‭.‬

هذا‭ ‬ونحن‭ ‬نشهد‭ ‬رقصات‭ ‬الأفاعي‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬عزاء‭ ‬المنطقة،‭ ‬وكل‭ ‬الذئاب‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬وهي‭ ‬تعوي‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬خريطتنا‭ ‬العربية‭.‬

السياسي‭ ‬المحنك‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬نظرية‭ ‬كسر‭ ‬العظم،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬عظم‭ ‬الكسر،‭ ‬ويمتلك‭ ‬خصرا‭ ‬سياسيا‭ ‬يتموج‭ ‬حسب‭ ‬الأبواب‭ ‬المتداخلة‭ ‬ضيقا‭ ‬واتساعا‭.‬

كما‭ ‬السياسة،‭ ‬الحب‭ ‬له‭ ‬طقوس‭ ‬وحتى‭ ‬العداوة‭ ‬لها‭ ‬طقوس،‭ ‬والمبالغة‭ ‬في‭ ‬كليهما‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬النضج،‭ ‬ومادمت‭ ‬تحب،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬كل‭ ‬طقوس‭ ‬الحب‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬الحب‭: ‬“هو‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬ألف‭ ‬سيل‭ ‬للرحيل،‭ ‬فتبقى”‭.‬

والسؤال،‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬فلسفة‭ ‬نتشه‭ ‬عن‭ ‬“الإنسان‭ ‬الأعلى”‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬تلميحات‭ ‬فرويد‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬التركيب‭ ‬النفسي‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬قصيدة‭ ‬الشاعر‭ ‬الفرنسي‭ ‬رامبو‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬“القارب‭ ‬الثمل”‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬كإبداعية‭ ‬“الحب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الكوليرا”‭ ‬لغابرييل‭ ‬غارسيا‭ ‬ماركيز؟‭ ‬كي‭ ‬أختصر‭ ‬عليكم،‭ ‬أنا‭ ‬لست‭ ‬في‭ ‬غيبوبة‭ ‬عاطفية‭ ‬عند‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الميثاق،‭ ‬فمنذ‭ ‬تعرفي‭ ‬على‭ ‬“ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني”‭ ‬وأنا‭ ‬أراهن‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬تدفق‭ ‬الأمل،‭ ‬رغم‭ ‬غربة‭ ‬الطريق،‭ ‬ولا‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬مراهقة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬قارئ‭ ‬لمكيافيللي،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬رهان‭ ‬بواقعية‭ ‬مقاتلة‭ ‬على‭ ‬تربية‭ ‬الأمل،‭ ‬وعلى‭ ‬عدم‭ ‬انكساره،‭ ‬وكي‭ ‬تكون‭ ‬قويا‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ذهنية‭ ‬قتالية‭.‬

كما‭ ‬الفرح‭ ‬معدي،‭ ‬وكما‭ ‬الحزن‭ ‬معدي‭ ‬كذلك‭ ‬الثقة‭ ‬معدية،‭ ‬وأنا‭ ‬ثقتي‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬رغم‭ ‬بعض‭ ‬الأوجاع‭ ‬تكون‭ ‬أجمل‭ ‬لو‭ ‬أننا‭ ‬قمنا‭ ‬بترميم‭ ‬الذاكرة،‭ ‬وترميم‭ ‬القلعة،‭ ‬وكنسنا‭ ‬كل‭ ‬الطارئين‭ ‬المتوترين‭ ‬طائفيا‭ ‬المنتشرين‭ ‬كالغبار‭ ‬ووضعهم‭ ‬تحت‭ ‬السجادة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وراهنا‭ ‬على‭ ‬ناصية‭ ‬المنارات‭ ‬الثلاث‭:‬‭ ‬حمد‭ ‬وخليفة‭ ‬وسلمان‭. ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يغوي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬أو‭ ‬أشد‭ ‬إغواء‭ ‬الا‭ ‬وحدتنا‭ ‬الوطنية‭!!! ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ملاذي‭ ‬العقلي‭ ‬الذي‭ ‬ارتهن‭ ‬إليه،‭ ‬وأعاود‭ ‬الالتجاء‭ ‬إليه،‭ ‬والاختفاء‭ ‬فيه‭ ‬ساعة‭ ‬شعوري‭ ‬بغربة‭ ‬الانتماء‭ ‬والجغرافيا‭ ‬أو‭ ‬حالة‭ ‬ظهور‭ ‬أعراض‭ ‬أي‭ ‬اكتئاب‭ ‬سياسي‭ ‬على‭ ‬نفسية‭ ‬الأمل‭ ‬الذي‭ ‬أربيه‭ ‬منذ‭ ‬عودتي‭ ‬للوطن‭ ‬في‭ ‬2002،‭ ‬وأسعى‭ ‬جاهدا‭ ‬لفك‭ ‬الارتباط‭ ‬بيني‭ ‬وبينه‭ ‬وبين‭ ‬أرصفة‭ ‬الغربة،‭ ‬وشوارع‭ ‬الهجير‭ ‬ودموع‭ ‬الاغتراب‭ ‬وخارطة‭ ‬الحزن‭.‬

أعلم‭ ‬أننا‭ ‬ننزف‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬ملفات‭ ‬كوزارات‭ ‬وهيئات‭ ‬مثل‭ ‬الكهرباء‭ ‬والعمل‭ ‬والصحة‭ ‬والتجارة‭ ‬والتأمينات،‭ ‬والنزف‭ ‬الذي‭ ‬نزفه‭ ‬تقرير‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية‭ ‬والإدارية‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬العمق،‭ ‬لكن‭ ‬أيضا‭ ‬أسعى‭ ‬للرهان‭ ‬على‭ ‬شجر‭ ‬الياسمين‭ ‬الخارج‭ ‬من‭ ‬ملف‭ ‬الإسكان،‭ ‬وأراهن‭ ‬على‭ ‬عطر‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬فسحة‭ ‬أمل،‭ ‬لذلك‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نسعي‭ ‬لفتح‭ ‬النوافد‭ ‬بأكسجين‭ ‬النقد‭ ‬الموضوعي‭ ‬دون‭ ‬رمي‭ ‬الأمل‭ ‬من‭ ‬الشباك‭ ‬بعد‭ ‬تربيته‭ ‬طيلة‭ ‬هذه‭ ‬السنين‭ ‬بحجة‭ ‬نقص‭ ‬الحليب،‭ ‬وقلة‭ ‬لعب‭ ‬الأطفال‭ ‬وتكسر‭ ‬الأراجيح‭. ‬من‭ ‬فاق‭ ‬في‭ ‬“الميثاق”‭ ‬فاق،‭ ‬ومن‭ ‬نام‭ ‬أو‭ ‬يئس‭ ‬لن‭ ‬يطير‭ ‬في‭ ‬الآفاق،‭ ‬فالميثاق‭ ‬ليس‭ ‬أفقًا‭ ‬واحداً،‭ ‬بل‭ ‬آفاق‭.‬