أدور‭ ‬شغل‭.. ‬“ماميش‭ ‬وظايف”‭!‬

| سعيد محمد

ذات‭ ‬مرة،‭ ‬التقيت‭ ‬برجل‭ ‬أوروبي‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬يتجول‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬الطاعنة‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬أيضًا‭ ‬بأحد‭ ‬المجمعات‭ ‬التجارية‭. ‬كنت‭ ‬حينما‭ ‬أعمل‭ ‬على‭ ‬تصوير‭ ‬فيديو‭ ‬للمواطنين‭ ‬والمقيمين‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬أمنيات‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬ومشاعرهم‭ ‬ورسائلهم،‭ ‬والذي‭ ‬منه‭ ‬سنحت‭ ‬الفرصة‭ ‬للتحدث‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل،‭ ‬وسألته‭ ‬عن‭ ‬عمله،‭ ‬فقال‭ ‬إنه‭ ‬يعمل‭ ‬مستشارًا‭ ‬لدى‭ ‬إحدى‭ ‬شركات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬وهذه‭ ‬الشركة‭ ‬تدفع‭ ‬له‭ ‬راتبًا‭ ‬“منتفخًا”‭ ‬وتغطي‭ ‬تكاليف‭ ‬سكنه‭ ‬وعلاجه‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬فواتير‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬والهاتف‭. ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬غير‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ ‬وأنا‭ ‬أشعر‭ ‬بالغصة‭: ‬“عليك‭ ‬بالعافية”‭.‬

تساءلت‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نفسي‭ ‬“ألا‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البلد‭ ‬من‭ ‬يمكنه‭ ‬القيام‭ ‬بالوظيفة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬وإن‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬أو‭ ‬ربع‭ ‬راتبه‭ ‬وامتيازاته،‭ ‬خصوصًا‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرة‭ ‬والتأهيل‭ ‬العلمي‭ ‬والكفاءة؟‭ ‬نعم‭ ‬هي‭ ‬أرزاق‭ ‬لا‭ ‬شك،‭ ‬ولكننا‭ ‬نواجه‭ ‬ظروفًا‭ ‬صعبةً‭ ‬للغاية،‭ ‬وهناك‭ ‬بيننا‭ ‬كفاءات‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬أو‭ ‬ممن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬“الخبرات”‭ ‬لم‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬الفرص‭ ‬الذهبية‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬ويحصل‭ ‬عليها‭ ‬غيرهم‭!‬

عمومًا،‭ ‬الحديث‭ ‬يطول‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬والنسبة‭ ‬الدقيقة‭ ‬لمعدل‭ ‬البطالة،‭ ‬وكيفية‭ ‬مواجهة‭ ‬أوضاع‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬ومنافسة‭ ‬غير‭ ‬البحرينيين‭ ‬وعن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الأيدي‭ ‬العاملة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات،‭ ‬وتتكرر‭ ‬لدينا‭ ‬عبارة‭: ‬“ما‭ ‬ميش‭ ‬وظايف‭.. ‬أدور‭ ‬شغل”،‭ ‬بين‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الجنسين‭.‬

والآن،‭ ‬سواء‭ ‬بالنسبة‭ ‬لوزارة‭ ‬العمل‭ ‬والتنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬صندوق‭ ‬العمل‭ ‬“تمكين”،‭ ‬ومع‭ ‬العلم‭ ‬بوجود‭ ‬برامج‭ ‬احترافية‭ ‬وخطط‭ ‬تدريبية‭ ‬لا‭ ‬ينكر‭ ‬أحد‭ ‬أهميتها،‭ ‬أو‭ ‬بالنسبة‭ ‬للشباب‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬عمل،‭ ‬فإن‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬التوجه‭ ‬بدرجة‭ ‬أكبر‭ ‬نحو‭ ‬المهن‭ ‬الاحترافية،‭ ‬وأقول‭ ‬لإخوتي‭ ‬الشباب‭: ‬“اجتهدوا‭ ‬وابذلوا‭ ‬ما‭ ‬تستطيعون‭ ‬لتحترفوا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مطلوب‭ ‬في‭ ‬السوق‭.. ‬لا‭ ‬تفكروا‭ ‬في‭ ‬الوظائف‭ ‬المكتبية‭ ‬الاعتيادية‭.. ‬اتجهوا‭ ‬نحو‭ ‬التخصص‭.. ‬تخصص‭ ‬واحترف‭ ‬في‭ ‬تقنية‭ ‬المعلومات،‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الإنشائية،‭ ‬في‭ ‬الخدمات،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الطبخ‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬ماهرًا‭ ‬وبارعًا‭.. ‬

سؤال‭: ‬هل‭ ‬تعلمون‭ ‬مدى‭ ‬صعوبة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬بحريني‭ ‬محترف‭ ‬وصاحب‭ ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬تصليح‭ ‬السيارات؟‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬السباكة‭ ‬وأعمال‭ ‬الكهرباء‭ ‬واللحام؟‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬النجارة‭ ‬والديكور؟‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الزراعة‭ ‬والبستنة؟‭ ‬وإن‭ ‬وجدته‭ ‬فلن‭ ‬تظفر‭ ‬به‭ ‬بسهولة‭ ‬لإنجاز‭ ‬عملك‭.. ‬لا‭ ‬تستمعوا‭ ‬لمن‭ ‬يقول‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬“متدنية”‭! ‬استمعوا‭ ‬لمن‭ ‬يدربكم‭ ‬ويشجعكم‭ ‬لتهزموا‭ ‬البطالة‭ ‬بمهنة‭ ‬احترافية‭.. ‬تستطيعون،‭ ‬فأنتم‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬ذوو‭ ‬العزم‭ ‬القوي‭.‬