نجاح‭ ‬الحكومة

| د. عبدالله الحواج

يبدو‭ ‬أن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لم‭ ‬تفقد‭ ‬ذاكرة‭ ‬السنين،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تتمتع‭ ‬بذاكرة‭ ‬حديدية‭ ‬لا‭ ‬تخطئ‭ ‬بوصلتها‭ ‬أبدًا‭. ‬فالعجز‭ ‬الذي‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬العمل‭ ‬ببرنامج‭ ‬التوازن‭ ‬المالي‭ ‬بمقدار‭ ‬الثلث‭ ‬أي‭ ‬بنسبة‭ ‬35‭ % ‬أو‭ ‬بقيمة‭ ‬462‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬في‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة،‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬برئاسة‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬وفريق‭ ‬عمله‭ ‬يمكنها‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬التعادل‭ ‬المالي‭ ‬خلال‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬الآن،‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬السرعة،‭ ‬وكانت‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬يمضي‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬“خير‭ ‬الدروب”‭ ‬ثابتة‭ ‬وبنفس‭ ‬المعدل‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬التي‭ ‬تمكنت‭ ‬في‭ ‬ثمانينات‭ ‬وتسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬رأب‭ ‬الأصداع،‭ ‬ولملمة‭ ‬المتناثر‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬وتحديات،‭ ‬والوقوف‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬عاصفة‭ ‬انهيار‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬في‭ ‬ريعان‭ ‬شبابها،‭ ‬وأن‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائها‭ ‬ومجموعة‭ ‬العمل‭ ‬المبدعة‭ ‬التي‭ ‬آلت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬القطار‭ ‬إلى‭ ‬مساره‭ ‬الصحيح‭ ‬وتبدأ‭ ‬فورًا‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬ترشيد‭ ‬إنفاق‭ ‬واضحة‭ ‬للعيان،‭ ‬وضبط‭ ‬دقيق‭ ‬للمصروفات‭ ‬وتنويع‭ ‬أدق‭ ‬لمصادر‭ ‬الدخل‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬وتحقيق‭ ‬أكبر‭ ‬استفادة‭ ‬من‭ ‬الارتفاع‭ ‬الملحوظ‭ ‬لأسعار‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬وضعنا‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬874‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬بحريني‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬محطة‭ ‬الارتياح‭ ‬المالي،‭ ‬وأن‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يبدو‭ ‬عصيًا‭ ‬أو‭ ‬بعيد‭ ‬المنال،‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬اليد،‭ ‬حيث‭ ‬التجربة‭ ‬التي‭ ‬مررنا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬فضائلها‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وأن‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬المثقلة‭ ‬بالأعباء‭ ‬لم‭ ‬يجهدها‭ ‬شقاء‭ ‬السنين،‭ ‬ولا‭ ‬تحديات‭ ‬المرحلة‭.‬

لقد‭ ‬أثبتت‭ ‬الأيام‭ ‬أن‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬بحكمته‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬فريقًا‭ ‬مؤهلًا‭ ‬لعلاج‭ ‬الخلل‭ ‬الذي‭ ‬تسلل‭ ‬إلى‭ ‬موازنة‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الأحداث‭ ‬الجسام‭ ‬والأعباء‭ ‬المتلاحقة‭ ‬التي‭ ‬تحملتها‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الذود‭ ‬عن‭ ‬المكتسبات‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والمجتمعي‭ ‬بصورة‭ ‬تبعث‭ ‬على‭ ‬الاطمئنان،‭ ‬بل‭ ‬وتؤكد‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬الآخر‭ ‬أن‭ ‬بلادنا‭ ‬قادرة‭ ‬وأن‭ ‬قادتنا‭ ‬مصممون‭ ‬على‭ ‬اجتياز‭ ‬النفق‭ ‬العابر‭ ‬بل‭ ‬والمرور‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬زجاجة‭ ‬المعضلة‭ ‬المالية؛‭ ‬حتى‭ ‬تنعم‭ ‬البلاد‭ ‬وينعم‭ ‬العباد‭ ‬بما‭ ‬حققناه‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬النماء‭ ‬المستدام،‭ ‬والتوازن‭ ‬الذي‭ ‬يبشر‭ ‬بفائض‭ ‬مالي‭ ‬بعد‭ ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

كل‭ ‬ما‭ ‬نطمح‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬السرعات‭ ‬التي‭ ‬اعتمدناها‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬عجز‭ ‬2017،‭ ‬والتي‭ ‬جاءت‭ ‬نتائجها‭ ‬بتراجع‭ ‬في‭ ‬العجز‭ ‬مقداره‭ ‬462‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬ثابتة،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الإضافة‭ ‬على‭ ‬التنوع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬فإنني‭ ‬أبشر‭ ‬بأن‭ ‬العجز‭ ‬المالي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يختفي‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬إننا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقفز‭ ‬إلى‭ ‬الفائض‭ ‬لو‭ ‬انضم‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬الخاص‭ ‬إلى‭ ‬منظومة‭ ‬الإجادة‭ ‬عند‭ ‬التنويع،‭ ‬والإبادة‭ ‬لآثار‭ ‬خلفتها‭ ‬أزمات‭ ‬طارئة‭ ‬وتراكمات‭ ‬وافدة‭.‬

إن‭ ‬المتتبع‭ ‬لحالة‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحلق‭ ‬عادة‭ ‬إلا‭ ‬بجناحين‭ ‬أحدهما‭ ‬حكومي‭ ‬والآخر‭ ‬أهلي‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تنضم‭ ‬إلى‭ ‬فلسفة‭ ‬الرئيس‭ ‬وفريق‭ ‬عمله‭ ‬المجتهد،‭ ‬فقطاع‭ ‬التعليم‭ ‬كوافد‭ ‬جديد‭ ‬أو‭ ‬رافد‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬المستدام،‭ ‬وذلك‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الاعتمادية‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬التسويق‭ ‬للقيمة‭ ‬المضافة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحققها‭ ‬محليًا‭ ‬وإقليميًا،‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬سوف‭ ‬يختصر‭ ‬الطريق‭ ‬نحو‭ ‬الفائض‭ ‬في‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬سيحقق‭ ‬دخلًا‭ ‬منتظما‭ ‬من‭ ‬آلاف‭ ‬الطلبة‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬المنطقة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬عائلاتهم‭ ‬وذويهم‭.‬

نحن‭ ‬لا‭ ‬نبيع‭ ‬وهمًا،‭ ‬أو‭ ‬نتاجر‭ ‬بأحلام‭ ‬الناس‭ ‬فلقد‭ ‬تعلمنا‭ ‬من‭ ‬قادتنا‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬نحلم‭ ‬بمقدار‭ ‬ما‭ ‬نستطيع،‭ ‬وأن‭ ‬نتكلم‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الإنجاز،‭ ‬والله‭ ‬الموفق‭ ‬والمستعان‭.‬