من جديد

نحو فكر إنتاجي

| د. سمر الأبيوكي

هناك‭ ‬ظاهرة‭ ‬تجتاح‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬بشدة،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬موت‭ ‬المجمعات‭ ‬التجارية،‭ ‬فمع‭ ‬انشغال‭ ‬الأفراد‭ ‬بنمط‭ ‬الحياة‭ ‬السريع‭ ‬بات‭ ‬التسكع‭ ‬في‭ ‬المجمعات‭ ‬وزيارة‭ ‬الأسواق‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬المهملة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬توفر‭ ‬خدمة‭ ‬التسوق‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬وتوصيل‭ ‬الخدمة‭ ‬أو‭ ‬البضاعة‭ ‬دون‭ ‬عناء‭ ‬إلى‭ ‬باب‭ ‬المستهلك،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يوفر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬والوقت،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬المجمعات‭ ‬هناك‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬موت‭ ‬حقيقي،‭ ‬فلا‭ ‬تجد‭ ‬سوى‭ ‬الجمعيات‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تحوي‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والمنتجات‭ ‬الأساسية‭ ‬هي‭ ‬وحدها‭ ‬الصامدة‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬العزوف‭ ‬الكبير‭ ‬عن‭ ‬التسوق‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬نوفر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المناخات‭ ‬الجيدة‭ ‬لفتح‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المحال‭ ‬والمجمعات،‭ ‬وأنا‭ ‬هنا‭ ‬لست‭ ‬ضد‭ ‬الفكرة‭ ‬كونها‭ ‬ضمن‭ ‬أفكار‭ ‬التنشيط‭ ‬السياحي،‭ ‬إنما‭ ‬أنا‭ ‬ضد‭ ‬نمطية‭ ‬الثقافة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬التي‭ ‬تربينا‭ ‬عليها،‭ ‬ولا‭ ‬أستثني‭ ‬نفسي‭ ‬لأنني‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬مجتمع‭ ‬كبير‭ ‬اعتاد‭ ‬على‭ ‬الاستهلاك‭ ‬لمجرد‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬فتجد‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬التنزه‭ ‬أو‭ ‬الترفيه‭ ‬بات‭ ‬مقتصرا‭ ‬على‭ ‬الشراء‭ ‬أو‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المطاعم،‭ ‬وضاعت‭ ‬فرص‭ ‬الاستمتاع‭ ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬النمطية‭ ‬ووسط‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬الصرف‭ ‬المطلق‭ ‬مع‭ ‬تواجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المطاعم‭ ‬والمقاهي‭ ‬وغيرها‭.‬

إن‭ ‬سردي‭ ‬هنا‭ ‬للمشكلة‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬السرد‭ ‬والإشارة،‭ ‬إنما‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أطرح‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬على‭ ‬أصحاب‭ ‬الاختصاص‭ ‬كونها‭ ‬مشكلة‭ ‬حقيقية،‭ ‬فلا‭ ‬تخلو‭ ‬أيامنا‭ ‬جميعا‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬الاستمتاع‭ ‬أو‭ ‬التغيير‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإنفاق،‭ ‬وأعتقد‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬بسيطة‭ ‬أن‭ ‬المعادلة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬تركيز‭ ‬حول‭ ‬الإنتاج‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الإنفاق،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تربية‭ ‬النشء‭ ‬وتوجيهه‭ ‬نحو‭ ‬فرص‭ ‬إنتاجية‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الفرص‭ ‬الاستهلاكية،‭ ‬كأن‭ ‬تكون‭ ‬مكافأة‭ ‬الأطفال‭ ‬الذهاب‭ ‬للعب‭ ‬الكرة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬شراء‭ ‬الحلوى‭ ‬كمثال‭ ‬بسيط‭.‬

 

ومضة‭:‬

الثقافة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬التي‭ ‬تربينا‭ ‬عليها‭ ‬كمجتمع‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬عليها‭ ‬جميعا‭ ‬لتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬إنتاجية‭ ‬وسط‭ ‬ظروف‭ ‬راهنة‭ ‬تحيط‭ ‬بالعالم‭ ‬بأسره‭ ‬توجب‭ ‬علينا‭ ‬الاهتمام‭ ‬ببناء‭ ‬فكر‭ ‬الإنتاج‭ ‬والابتعاد‭ ‬قدر‭ ‬الممكن‭ ‬عن‭ ‬الفكر‭ ‬الاستهلاكي‭.‬