ومضة قلم

شركات بيع الأوهام

| محمد المحفوظ

التحذير‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬أحد‭ ‬الخبراء‭ ‬المصرفيين‭ ‬من‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬عمليات‭ ‬استثمار‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬الاستخفاف‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬الاستهانة‭ ‬بعواقبه‭ ‬المدمرة،‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬وضعنا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الحرجة،‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬يذكرنا‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬نصب‭ ‬واحتيال‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬البسطاء‭ ‬الذين‭ ‬ذهبت‭ ‬مدخراتهم‭ ‬أدراج‭ ‬الرياح‭ ‬ممن‭ ‬قضوا‭ ‬أزهى‭ ‬سنيّ‭ ‬أعمارهم‭ ‬كدحا‭ ‬وشقاء‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬“تحويشة‭ ‬العمر”،‭ ‬المأساة‭ ‬الكبرى‭ ‬أنّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬ورغم‭ ‬محاولاتهم‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬تعويض‭ ‬جزء‭ ‬ولو‭ ‬ضئيل‭ ‬من‭ ‬أموالهم‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تسفر‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬تذكر‭.‬

يبدو‭ ‬أنّ‭ ‬شركات‭ ‬النصب‭ ‬والاحتيال‭ ‬تعيد‭ ‬عملياتها‭ ‬مرة‭ ‬تلو‭ ‬أخرى‭ ‬وتحت‭ ‬عناوين‭ ‬براقة‭ ‬للاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬الناس‭ ‬بإيهامهم‭ ‬بأنّ‭ ‬أرباحا‭ ‬خيالية‭ ‬بانتظارهم‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أشهر‭ ‬معدودات‭. ‬المفارقة‭ ‬التي‭ ‬تبعث‭ ‬على‭ ‬الرثاء‭ ‬أنّ‭ ‬بين‭ ‬ضحايا‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الوهمية‭ ‬موظفين‭ ‬بمراكز‭ ‬مرموقة‭ ‬في‭ ‬شركات‭ ‬ومصارف‭ ‬كبيرة،‭ ‬وآخرين‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬أخرى،‭ ‬والمؤسف‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يدر‭ ‬بخلد‭ ‬أحدهم‭ ‬يوما‭ ‬أنّ‭ ‬مجازفتهم‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬فخ‭ ‬كبير‭ ‬ولعبة‭ ‬تم‭ ‬حبكها‭ ‬بدهاء‭ ‬وخطط‭ ‬لها‭ ‬بدقة‭ ‬بعض‭ ‬المحتالين‭ ‬ووجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬غارقين‭ ‬في‭ ‬لجتها‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬أمامهم‭ ‬للنجاة‭.‬

ليس‭ ‬بوسع‭ ‬أحد‭ ‬تجاهل‭ ‬الدور‭ ‬القذر‭ ‬الذي‭ ‬مارسه‭ ‬من‭ ‬يسمون‭ ‬بالوسطاء‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الاستثمار‭ ‬الوهمية،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬ممارساتهم‭ ‬أساليب‭ ‬التمويه‭ ‬والاحتيال‭ ‬انطلت‭ ‬على‭ ‬الكثيرين‭ ‬عندما‭ ‬أوهموهم‭ ‬بأنّهم‭ ‬قاب‭ ‬قوسين‭ ‬أو‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الثراء،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنهم‭ ‬يتحملون‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬القانونية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬بيد‭ ‬أنّ‭ ‬جلهم‭ ‬تنصل‭ ‬من‭ ‬أدواره‭ ‬دون‭ ‬وازع‭ ‬من‭ ‬ضمير‭ ‬أو‭ ‬قيم‭.‬

الأشد‭ ‬ألما‭ ‬ومرارة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الاستثمار‭ ‬الوهمية‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬الأفراد‭ ‬وحدهم‭ ‬الذين‭ ‬غامروا‭ ‬بمدخراتهم،‭ ‬لكنها‭ ‬طالت‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬أفراد‭ ‬أسرهم‭ ‬وأصبحت‭ ‬فئة‭ ‬منهم‭ ‬مطالبة‭ ‬بسداد‭ ‬أقساط‭ ‬شهرية‭ ‬للبنوك‭ ‬تقض‭ ‬مضاجعهم‭ ‬آناء‭ ‬الليل‭ ‬والنهار،‭ ‬وآخرون‭ ‬اضطرتهم‭ ‬أوضاعهم‭ ‬للاستدانة‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬لسداد‭ ‬القروض‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬تخلفهم‭ ‬عن‭ ‬السداد‭ ‬فإن‭ ‬مستقبلهم‭ ‬سيصبح‭ ‬في‭ ‬كف‭ ‬المجهول‭.‬

المطلوب‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬أخذ‭ ‬الحيطة‭ ‬والحذر‭ ‬من‭ ‬الدعوات‭ ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬للاستثمار،‭ ‬وأن‭ ‬يتعظوا‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬وقع‭ ‬ضحيتها‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬إخوانهم،‭ ‬فحينها‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬البكاء‭ ‬على‭ ‬اللبن‭ ‬المسكوب‭.‬