اغتيال قلم وفكر

| عبدعلي الغسرة

أثار‭ ‬اغتيال‭ ‬الكاتب‭ ‬والروائي‭ ‬العراقي‭ ‬علاء‭ ‬المشذوب‭ ‬تنديدًا‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي‭ ‬والشعبي‭ ‬العراقي‭ ‬والعربي‭ ‬والعالمي،‭ ‬واغتياله‭ ‬يعد‭ ‬اغتيالا‭ ‬للكلمة‭ ‬الحُرة‭ ‬الصادقة،‭ ‬حيث‭ ‬خصص‭ ‬الراحل‭ ‬فكره‭ ‬وقلمه‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬وسيادته‭ ‬العربية،‭ ‬رافضًا‭ ‬وأد‭ ‬كُل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬اغتيال‭ ‬الجَمال‭ ‬العراقي‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬فكرًا‭ ‬أو‭ ‬أدبًا‭ ‬أو‭ ‬فنًا‭ ‬أو‭ ‬تراثًا،‭ ‬وكانت‭ ‬كتاباته‭ ‬الأدبية‭ ‬تترجم‭ ‬حُلم‭ ‬كُل‭ ‬العراقيين‭ ‬بعودة‭ ‬عراق‭ ‬الأمس‭ ‬الجميل‭ ‬والآمن‭ ‬والعربي‭.‬

على‭ ‬أرض‭ ‬كربلاء‭ ‬سقط‭ ‬علاء‭ ‬المشذوب‭ ‬بـ‭ ‬13‭ ‬رصاصة‭ ‬بيد‭ ‬مَن‭ ‬لا‭ ‬يُريدون‭ ‬للعراق‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬أصيلًا،‭ ‬ويمنعون‭ ‬عودته‭ ‬عراقيًا‭ ‬وعربيًا،‭ ‬ومَن‭ ‬اغتاله‭ ‬اغتال‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬العراق‭ ‬وشعبه،‭ ‬سرق‭ ‬ثروته‭ ‬ودمر‭ ‬حضارته،‭ ‬صادر‭ ‬ثقافته‭ ‬وفكره‭ ‬العربي‭ ‬النابض‭ ‬حُبًا‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عربيٍ‭ ‬مجيد‭. ‬

من‭ ‬اغتاله‭ ‬ليس‭ ‬مجهول‭ ‬الاسم‭ ‬ولا‭ ‬العنوان،‭ ‬معروف‭ ‬ومكروه‭. ‬إن‭ ‬اغتياله‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬اعتباطًا‭ ‬بل‭ ‬يحمل‭ ‬عدة‭ ‬رسائل‭ ‬إلى‭ ‬كُل‭ ‬مَن‭ ‬أدرك‭ ‬هدف‭ ‬هذا‭ ‬الاغتيال،‭ ‬ومِن‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل،‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬مازال‭ ‬تحت‭ ‬الإدارة‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬تتصرف‭ ‬بالعراق‭ ‬وكأنه‭ ‬من‭ ‬دوائر‭ ‬طهران‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬علاء‭ ‬المشذوب‭ ‬الأول‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬يُقتل‭ ‬أمام‭ ‬بيته،‭ ‬فغيره‭ ‬كثيرون‭ - ‬مُفكرون‭ ‬وأساتذة‭ ‬جامعيون‭ ‬وفنانون‭ ‬وكتاب‭ ‬وعارضات‭ ‬أزياء‭ ‬وغيرهم‭ - ‬قُتلوا‭ ‬في‭ ‬وضح‭ ‬النهار‭ ‬أمام‭ ‬الناس،‭ ‬ولن‭ ‬يَستطيع‭ ‬المحققون‭ ‬التكلم،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬مسؤولو‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬الاغتيال‭ (‬جهات‭ ‬مجهولة‭ ‬تجعلنا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬التكلم‭)‬،‭ ‬ومَن‭ ‬يستطيع‭ ‬التطاول‭ ‬على‭ ‬أسياده‭ ‬وولي‭ ‬نعمته؟‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬تعلن‭ ‬القوات‭ ‬الأمنية‭ ‬رسميًا‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الاغتيالات‭. ‬

إن‭ ‬المشذوب‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬اغتياله‭ ‬عَقب‭ ‬حضوره‭ ‬أمسية‭ ‬ثقافية‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬كربلاء‭ ‬والذي‭ ‬تنوعت‭ ‬كتاباته‭ ‬بين‭ ‬التاريخ‭ ‬والفن‭ ‬والرواية‭ ‬والبحوث‭ ‬الفنية‭ ‬المتنوعة،‭ ‬وكان‭ ‬آخرها‭ ‬رواية‭ ‬“جمهورية‭ ‬باب‭ ‬الخان”‭ ‬والذي‭ ‬عالج‭ ‬فيها‭ (‬وقائع‭ ‬تمتد‭ ‬لنحو‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬باب‭ ‬الخان‭ ‬بكربلاء‭)‬،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬آخرهم‭ ‬عندما‭ ‬يفتقر‭ ‬المسؤولون‭ ‬إلى‭ ‬أبسط‭ ‬قواعد‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬وحماية‭ ‬مواطنيها‭.‬

لقد‭ ‬ذهب‭ ‬ضحية‭ ‬الكلمة‭ ‬الحُرة‭ ‬الصادقة‭ ‬التي‭ ‬نادت‭ ‬بإنهاء‭ ‬معاناة‭ ‬العراقيين‭ ‬وتحسين‭ ‬أوضاعهم‭ ‬المعيشية‭ ‬وتوفير‭ ‬أجواء‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬جزاء‭ ‬مَن‭ ‬يتجرأ‭ ‬على‭ ‬انتقاد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬ويجري‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولنفس‭ ‬أسباب‭ ‬الاغتيال‭ ‬سيتم‭ ‬تسجيل‭ ‬القضية‭ (‬ضد‭ ‬مجهول‭).‬