قهوة الصباح

احتضان‭ ‬الثعبان‭ (‬1‭)‬

| سيد ضياء الموسوي

لكثرة‭ ‬الضحايا‭ ‬دعوني‭ ‬أنظّرُ‭ ‬في‭ ‬وحوش‭ ‬الحب‭ ‬وضباع‭ ‬العواطف‭ ‬وأسماك‭ ‬قرش‭ ‬الأحاسيس‭ ‬والضحايا‭ ‬الموتى‭ ‬في‭ ‬الشباك‭! ‬العشق‭ ‬هو‭ ‬لعبة‭ ‬المشاعر‭ ‬القاتلة،‭ ‬لعبة‭ ‬مع‭ ‬الشيطان‭.‬

رأيت‭ ‬كثيرين‭ ‬معلقين‭ ‬كذبيحة‭ ‬على‭ ‬مسلخ‭ ‬الحب‭ ‬ومذبح‭ ‬العشق‭. ‬إنه‭ ‬أشبه‭ ‬بنوم‭ ‬الثعبان‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الإنسان‭. ‬وكما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬“التعلق‭ ‬المرضي”‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬أمر‭ ‬وأشد‭ ‬فتكا‭ ‬من‭ ‬العشق‭.‬

هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سكاكين‭ ‬تعزف‭ ‬بيانو‭ ‬على‭ ‬المشاعر‭ ‬المحطمة‭. ‬كل‭ ‬عاشق‭ ‬تعيس،‭ ‬وكل‭ ‬محب‭ ‬سعيد‭ ‬وشتان‭ ‬بين‭ ‬الحب‭ ‬والعشق،‭ ‬وهذه‭ ‬سوف‭ ‬أكتب‭ ‬عنها‭ ‬لاحقا،‭ ‬فالعاشق‭ ‬مجنون‭ ‬وضع‭ ‬قلبه‭ ‬على‭ ‬“الهاي‭ ‬وي”؛‭ ‬لتصدمه‭ ‬كل‭ ‬شاحنات‭ ‬وحوش‭ ‬البشر،‭ ‬وتجد‭ ‬قلبه‭ ‬كقطة‭ ‬مهروسة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬سريعة‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يسأل‭ ‬عنها،‭ ‬فالعاشق‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إلا‭ ‬الحب‭.‬

هو‭ ‬أبعد‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬الحب؛‭ ‬لأنه‭ ‬باختصار‭ ‬أعطى‭ ‬“رموت‭ ‬كونترول”‭ ‬مشاعره‭ ‬لشخص‭ ‬آخر؛‭ ‬ليتلاعب‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬المحطات‭ ‬والقنوات‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعبث‭ ‬بها‭. ‬الحب‭ ‬سيكولوجيا‭ ‬أن‭ ‬تفيض‭ ‬بحب‭ ‬نفسك،‭ ‬فإذا‭ ‬فاض‭ ‬سيملأ‭ ‬الآخرين‭ ‬حبا،‭ ‬فالظمآن‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬السواقي‭.‬

منذ‭ ‬سنين‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬العشق‭ ‬والتعلق‭ ‬المرضي‭ ‬ونظرية‭ ‬“فك‭ ‬الارتباط”‭ ‬بمعنى‭ ‬كيف‭ ‬يخرج‭ ‬العاشق‭ ‬الهائم‭ ‬من‭ ‬“الرق‭ ‬السيكولوجي”‭ ‬والعبودية‭ ‬القاتلة،‭ ‬فيخرج‭ ‬من‭ ‬زنزانة‭ ‬الذكريات‭ ‬أو‭ ‬تلاعب‭ ‬العشيق‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬العشيقة‭ ‬له‭ ‬ويرمي‭ ‬“الافكري”‭ ‬والقيود‭ ‬وراء‭ ‬ظهره،‭ ‬ويطير‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬الحرية‭ ‬والانعتاق‭ ‬من‭ ‬التعلق‭ ‬المرضي‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬فالهوس‭ ‬بالشهرة‭ ‬أو‭ ‬المنصب‭ ‬أو‭ ‬المال‭ ‬أو‭ ‬العشيقة‭ ‬طريق‭ ‬إلى‭ ‬الجحيم‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬زنزانات‭ ‬والحر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يعتمد‭ ‬نظرية‭ ‬المفكر‭ ‬الروسي‭ ‬فاديم‭ ‬زيلاند‭ ‬في‭ ‬التوازن‭ ‬الكوني‭ ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬أهمية‭ ‬الأشياء،‭ ‬وتحويل‭ ‬الاهتمام‭ ‬الطاقي‭ ‬للأشياء‭ ‬إلى‭ ‬الصفر‭.‬

بقدر‭ ‬اهتمامك‭ ‬بشي‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تعطيه‭ ‬رقبتك‭ ‬للتلاعب‭ ‬بمشنقتك‭. ‬كم‭ ‬من‭ ‬مصاص‭ ‬دماء‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬العشيق‭ ‬لتحويل‭ ‬المعشوقة‭ ‬إلى‭ ‬لعبة‭ ‬طفولة‭ ‬يفرغ‭ ‬عليها‭ ‬إضراباته‭ ‬الطفولية؟

يقول‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭: ‬كفاك‭ ‬تلعب‭ ‬دور‭ ‬العاشقين‭ ‬معي‭ ‬وتنتقي‭ ‬كلمات‭ ‬لست‭ ‬تعنيها‭. ‬وكل‭ ‬المشانق‭ ‬تهون‭ ‬إلا‭ ‬مشانق‭ ‬العشق‭. ‬فالعاشق‭ ‬يشنق‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬5‭ ‬مرات‭ ‬وأحيانا‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬حسب‭ ‬وحشية‭ ‬المعشوق،‭ ‬وحسب‭ ‬بلوغ‭ ‬المرض،‭ ‬ومدى‭ ‬كثافة‭ ‬مخدرات‭ ‬العشق‭ ‬في‭ ‬الدم‭.‬

قلما‭ ‬تجد‭ ‬إنسانا‭ ‬لم‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬العشق‭ ‬أو‭ ‬بئره‭ ‬المظلمة‭. ‬ولعل‭ ‬أكثر‭ ‬المعذبين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أصابهم‭ ‬عشق‭ ‬مع‭ ‬المتلاعبين‭ ‬“الفامباير”‭ ‬الذين‭ ‬يجيدون‭ ‬فن‭ ‬ذبح‭ ‬المشاعر،‭ ‬هؤلاء‭ ‬مصاصو‭ ‬دماء‭ ‬المشاعر‭ ‬والمحفظة‭ ‬يبدون‭ ‬ساحرين‭ ‬ظاهرا‭ ‬والوحش‭ ‬بداخلهم‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يعتبرون‭ ‬الحب‭ ‬وظيفة‭ ‬للكسب‭ ‬السريع،‭ ‬وقلب‭ ‬المعشوق‭ ‬المضحوك‭ ‬عليه‭ ‬مجرد‭ ‬“ATM”‭ ‬كل‭ ‬نبض‭ ‬بدولار‭.‬

قيس‭ ‬بن‭ ‬الملوح‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يحب‭ ‬ليلى‭ ‬العمارية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يعشقها،‭ ‬وهذا‭ ‬نتيجة‭ ‬مرض‭ ‬سيكولوجي‭ ‬اسمه‭ ‬التعلق‭ ‬المرضي،‭ ‬هو‭ ‬مرض‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جرعات‭ ‬كيماوية‭ ‬واقعية‭ ‬لإسقاط‭ ‬شعر‭ ‬رأس‭ ‬الذكريات،‭ ‬حيث‭ ‬يتحول‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬سكين،‭ ‬وتقيؤ‭ ‬كل‭ ‬مخدرات‭ ‬العشق‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الدم‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬سنين‭.‬

العاشق‭ ‬المعلق‭ ‬أو‭ ‬العاشقة‭ ‬المعلقة‭ ‬هما‭ ‬سجينان‭ ‬يرتديان‭ ‬ثياب‭ ‬السجن،‭ ‬وإن‭ ‬كانا‭ ‬يرتديان‭ ‬أفخم‭ ‬الماركات‭. ‬جروح‭ ‬العشق‭ ‬لا‭ ‬تعالج‭ ‬بماركات‭ ‬“كوجي”‭ ‬و‭ ‬“دولجي‭ ‬اند‭ ‬كفانا”‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ضمادات،‭ ‬أو‭ ‬بالشراء‭ ‬العاطفي‭. ‬العشق‭ ‬سرطان‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬محاربة‭ ‬جادة‭ ‬كي‭ ‬يكسب‭ ‬الإنسان‭ ‬سعادته،‭ ‬وإلا‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬لحال‭ ‬قيس‭:‬

قَضاها‭ ‬لِغَيْري،‭ ‬وابْتَلاني‭ ‬بِحُبِّها‭ ‬فَهَلاّ‭ ‬بشَيءٍ‭ ‬غيرِ‭ ‬ليلى‭ ‬ابْتَلانِيا

قَضى‭ ‬اللَهُ‭ ‬بِالمَعروفِ‭ ‬مِنها‭ ‬لِغَيرِنا‭ ‬وَبِالشَوقِ‭ ‬مِنّي‭ ‬وَالغَرامِ‭ ‬قَضى‭ ‬لَيا

فَأَنتِ‭ ‬الَّتي‭ ‬إِن‭ ‬شِئتِ‭ ‬أَشقَيتِ‭ ‬عِيشَتي‭ ‬وَأَنتِ‭ ‬الَّتي‭ ‬إِن‭ ‬شِئتِ‭ ‬أَنعَمتِ‭ ‬بالِيا

فَيا‭ ‬رَبِّ‭ ‬إِذ‭ ‬صَيَّرتَ‭ ‬لَيلى‭ ‬هِيَ‭ ‬المُنى‭ ‬فَزِنّي‭ ‬بِعَينَيها‭ ‬كَما‭ ‬زِنتَها‭ ‬لِيا

وَإِلّا‭ ‬فَبَغِّضها‭ ‬إِلَيَّ‭ ‬وَأَهلَها‭ ‬فَإِنّي‭ ‬بِلَيلى‭ ‬قَد‭ ‬لَقيتُ‭ ‬الدَواهِيا‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬الفراغ‭ ‬العاطفي‭ ‬وسطوة‭ ‬المادية‭ ‬التي‭ ‬تسربت‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬الحياة‭ ‬الفردية‭ ‬الأنانية‭ ‬يصبح‭ ‬قلب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬مكانا‭ ‬مفتوحا‭ ‬للقمار‭ ‬العاطفي‭ ‬وكازينوهات‭ ‬الأحاسيس‭ ‬الكاذبة‭. ‬يقول‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭: ‬هو‭ ‬الحب‭ ‬كذبتنا‭ ‬الصادقة‭! ‬لا‭ ‬تبيعوا‭ ‬قلوبكم‭ ‬باسم‭ ‬الحب‭ ‬لوحوش‭ ‬قلوبهم‭ ‬كالأرصفة‭.‬