وَخْـزَةُ حُب

الروح... يُنعشها الشغف!

| د. زهرة حرم

نعيش‭ ‬وسط‭ ‬مجتمعات‭ ‬لا‭ ‬حرارة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أجساد‭ ‬البشريين‭ ‬فيها‭! ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬حرارة‭ ‬فيه؛‭ ‬لا‭ ‬روح‭ ‬فيه‭! ‬فالروح‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬أحياءً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭! ‬أما‭ ‬نبض‭ ‬القلب؛‭ ‬فليس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عمليةٍ‭ ‬آلية‭ ‬لجهازٍ‭ ‬بارد،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تعاضده‭ ‬حركة‭ ‬الروح‭ ‬وانطلاقتها‭ ‬التي‭ ‬تبعث‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬الإحساس‭ ‬والتجاوب‭ ‬الإيجابي‭ ‬أو‭ ‬الاستجابة‭ ‬الصحية؛‭ ‬وإلا‭ ‬أصابتها‭ ‬أمراض‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬النفسية‭ ‬العصية‭ ‬على‭ ‬الحل‭ ‬أو‭ ‬العلاج‭! ‬

لعل‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يحرك‭ ‬الروح‭ ‬هو‭ ‬الشغف‭ ‬بما‭ ‬نمارسه‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬أو‭ ‬أداء،‭ ‬الشغف‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يُوصلنا‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الإتقان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء؛‭ ‬أيًا‭ ‬كان،‭ ‬الشغف‭ ‬هو‭ ‬سر‭ ‬الاجتهاد‭ ‬والتفاعل‭ ‬والإنجاز،‭ ‬الشغف‭ ‬هو‭ ‬الوصفة‭ ‬السحرية‭ ‬للرضا‭ ‬الداخلي،‭ ‬والسكينة‭ ‬والهدوء‭ ‬النفسي،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬الشغف؛‭ ‬ستحل‭ ‬السآمة‭ ‬والملل؛‭ ‬وستنطفئ‭ ‬استجاباتنا‭ ‬تجاه‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ونميل‭ ‬نحو‭ ‬السلبية،‭ ‬والانسحاب،‭ ‬والهروب،‭ ‬فتبرد‭ ‬أرواحنا؛‭ ‬حينها؛‭ ‬يستحيل‭ ‬وجودنا‭ ‬عبثا،‭ ‬وتضييعَ‭ ‬وقت،‭ ‬ويصبح‭ ‬وجودنا‭ ‬مجرد‭ ‬شغْل‭ ‬حيزٍ‭ ‬في‭ ‬فراغ‭!‬

أسوأ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬أن‭ ‬تمضي‭ ‬أعمارُنا‭ ‬عبثـًا،‭ ‬تزيد‭ ‬أرقامُها،‭ ‬ويقل‭ ‬رصيدُها‭! ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬كما‭ ‬يجب،‭ ‬وبالشكل‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬للروح‭ ‬التوازن‭ ‬والانسجام‭ ‬والتناغم‭. ‬من‭ ‬المرير‭ ‬والموجع؛‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نستشعر‭ ‬خسارة‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يمضي‭ ‬من‭ ‬أعمارنا،‭ ‬ونحن‭ ‬نتعاطى‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬أو‭ ‬أشياء،‭ ‬دون‭ ‬محبة‭ ‬أو‭ ‬رغبة‭! ‬فكم‭ ‬مرة‭ ‬هدرت‭ ‬أيام‭ ‬حياتك‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬فيه‭! ‬مع‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬فيه‭! ‬في‭ ‬مكان‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬فيه‭! ‬في‭ ‬تخصص‭ ‬دراسي‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬فيه‭! ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬فيها‭! ‬كم‭ ‬مرة‭ ‬انتصرتْ‭ ‬عليك‭ ‬الحياةُ‭ ‬الصورية‭ ‬الشكلية‭ ‬الباردة‭ ‬الجامدة‭ ‬والجافة؛‭ ‬وكنت‭ ‬أسير‭ ‬واقع‭ ‬لا‭ ‬ترتضيه،‭ ‬ولا‭ ‬تبتغيه،‭ ‬وسكتَّ،‭ ‬وواصلت،‭ ‬واستكنت،‭ ‬لتمضي‭ ‬حياة‭ ‬الآخرين؛‭ ‬وتتوقف‭ ‬حياتك‭ ‬أنت‭!‬

باردة‭ ‬أرواحنا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نمنحها‭ ‬الرعاية‭ ‬والاهتمام،‭ ‬ولا‭ ‬عزاء‭ ‬لنا‭ ‬إن‭ ‬تركناها‭ ‬تذبل‭ ‬وتذوي‭ ‬ثم‭ ‬تموت‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬قبل‭ ‬موتها‭ ‬الطبيعي‭. ‬كل‭ ‬ذلك؛‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬أن‭ ‬نحب‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول؛‭ ‬ونكتشفها،‭ ‬ونبحث‭ ‬عما‭ ‬يريحها،‭ ‬وما‭ ‬يحقق‭ ‬لها‭ ‬الطمأنينة‭. ‬تعالوا‭ ‬ندرس‭ ‬ذواتنا؛‭ ‬ماذا‭ ‬تريد؟‭ ‬ما‭ ‬هدفها؟‭ ‬ما‭ ‬غايتها؟‭ ‬ونجيب‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لإجاباتها‭ ‬الأثر‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬قراراتنا‭ ‬المصيرية‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬توجيه‭ ‬بوصلة‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭.‬

لا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬الموت‭ ‬قبل‭ ‬أوانه،‭ ‬أو‭ ‬نجبر‭ ‬أنفسنا‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬فعل‭ ‬أو‭ ‬عمل‭ ‬أو‭ ‬شيء‭ ‬ما؛‭ ‬ففي‭ ‬الدنيا‭ ‬متسع‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الخيارات،‭ ‬وهذه‭ ‬الروح‭ ‬تستحق‭ ‬الحياة‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬وجه‭ ‬وطريقة،‭ ‬فقط‭ ‬حَدِد‭ ‬اتجاه‭ ‬البوصلة‭!.‬