إيران القصة تعيد نفسها أم ماذا؟ (1)

| نزار جاف

هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬الشاه‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬فبراير‭ ‬‏1979،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬ينكر‭ ‬السبب‭ ‬الأساسي‭ ‬للسقوط‭ ‬وهو‭ ‬رفض‭ ‬الشعب‭ ‬للنظام‭ ‬وإصراره‭ ‬على‭ ‬إسقاطه‭ ‬حيث‭ ‬شهد‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬زلزال‭ ‬الغضب‭ ‬ضد‭ ‬ذلك‭ ‬النظام،‭ ‬والذي‭ ‬جسد‭ ‬موقفا‭ ‬تاريخيا‭ ‬لم‭ ‬نشهده‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الثورتين‭ ‬الفرنسية‭ ‬والبلشفية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬انفصام‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬والنظام‭ ‬وإظهار‭ ‬مدى‭ ‬بشاعة‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬هي‭ ‬مكروهة‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬نهضت‭ ‬نهضتها‭ ‬الحاسمة‭.‬

عندما‭ ‬كان‭ ‬نظام‭ ‬الشاه‭ ‬يقوم‭ ‬بالاحتفالات‭ ‬الأسطورية‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬مظاهر‭ ‬البذخ‭ ‬والتبذير‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬ولاسيما‭ ‬ذلك‭ ‬الاحتفال‭ ‬الذي‭ ‬أقامه‭ ‬بمناسبة‭ ‬مرور‭ ‬2500‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1971،‭ ‬وكلف‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬أسترليني،‭ ‬واستمر‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات،‭ ‬كانت‭ ‬مظاهر‭ ‬الفقر‭ ‬والجوع‭ ‬تسحق‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني،‭ ‬وكان‭ ‬الإيراني‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬ما‭ ‬يسد‭ ‬به‭ ‬جوع‭ ‬أبنائه‭ ‬لكنه‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الشاه‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬هذا‭ ‬الاحتفال‭ ‬الأسطوري‭ ‬قام‭ ‬بإحضار‭ ‬مطعم‭ ‬ماكسيم‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أفضل‭ ‬مطعم‭ ‬وقتها‭ ‬لتغطية‭ ‬الحفل،‭ ‬فشملت‭ ‬قائمة‭ ‬الطعام‭ ‬الضأن‭ ‬الفرنسي‭ ‬مع‭ ‬الكمأ‭ ‬ورأس‭ ‬الكبش،‭ ‬والطاووس‭ ‬الامبراطوري‭ ‬المحاط‭ ‬بالمئات‭ ‬من‭ ‬السمان‭ ‬والمحشو‭ ‬بكبد‭ ‬الأوز،‭ ‬وأنه‭ ‬كان‭ ‬ينقل‭ ‬يوميا‭ ‬قالبا‭ ‬من‭ ‬الثلج‭ ‬بحجم‭ ‬السيارة‭ ‬عبر‭ ‬الصحراء‭ ‬بطائرة‭ ‬هيلكوبتر‭ ‬فقط‭ ‬ليضاف‭ ‬إلى‭ ‬النبيذ‭ ‬الأبيض‭ ‬واستيراد‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬طائر‭ ‬للتغريد‭ ‬بصوت‭ ‬لطيف،‭ ‬في‭ ‬هكذا‭ ‬أجواء‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬غالبية‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬سخطا‭ ‬وغضبا‭ ‬وأن‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬الشاه‭ ‬ونظامه‭ ‬عدوا‭.‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الشعب‭ ‬يتلوى‭ ‬جوعا‭ ‬وتتضاعف‭ ‬معاناته‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬كان‭ ‬جهاز‭ ‬“السافاك”‭ ‬الأمني‭ ‬المعروف‭ ‬ببطشه‭ ‬وقسوته‭ ‬يصعد‭ ‬من‭ ‬إجراءاته‭ ‬القمعية‭ ‬بحق‭ ‬الشعب،‭ ‬وكان‭ ‬الجواسيس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬العوائل‭ ‬الإيرانية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬بقوة‭ ‬وصلابة‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬ويخوض‭ ‬صراعا‭ ‬ضاريا‭ ‬ضده‭ ‬سوى‭ ‬منظمة‭ ‬مجاهدي‭ ‬خلق‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬منظمة‭ ‬فدائي‭ ‬خلق،‭ ‬وكان‭ ‬تركيز‭ ‬نظام‭ ‬الشاه‭ ‬وجهازه‭ ‬الأمني‭ ‬“السافاك”‭ ‬على‭ ‬هذين‭ ‬التنظيمين‭ ‬وبصورة‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬منظمة‭ ‬مجاهدي‭ ‬خلق،‭ ‬ولاسيما‭ ‬عندما‭ ‬بادر‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬مايو‭ ‬1972،‭ ‬إلى‭ ‬إعدام‭ ‬جميع‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬الأولى‭ ‬للمنظمة،‭ ‬ما‭ ‬عدى‭ ‬مسعود‭ ‬رجوي‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬حكم‭ ‬إعدامه‭ ‬إلى‭ ‬الحبس‭ ‬المؤبد‭ ‬وبقي‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬إلى‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬مجيء‭ ‬الخميني‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1979‭. ‬“إيلاف”‭.‬

“إصرار‭ ‬الشعب‭ ‬على‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬الشاه‭ ‬جسد‭ ‬موقفا‭ ‬تاريخيا‭ ‬لم‭ ‬نشهده‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الثورتين‭ ‬الفرنسية‭ ‬والبلشفية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬انفصام‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬والنظام”‭.‬