قهوة الصباح

ومازال لك في القلب ركن يسقط فيه المطر

| سيد ضياء الموسوي

أنا‭ ‬رجل‭ ‬مولع‭ ‬باللغة،‭ ‬والأدب،‭ ‬والشعر،‭ ‬والفلسفة‭ ‬وعلم‭ ‬الأنثربولوجيا،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أركن‭ ‬إليهم‭ ‬في‭ ‬اللعب‭ ‬عند‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬حرائق‭ ‬السياسة‭.‬

نظمت‭ ‬الشعر،‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬السادسة‭ ‬عشرة،‭ ‬وكنت‭ ‬مولعا‭ ‬بنزار‭ ‬قباني‭ ‬الذي‭ ‬تلقفت‭ ‬أمسيته‭ ‬عندما‭ ‬جاء‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬الثمانينات،‭ ‬وكان‭ ‬لي‭ ‬صديق‭ ‬يرسل‭ ‬لي‭ ‬دواوينه‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أدرس‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المتنبي‭ ‬والجواهري‭ ‬ودرويش‭.‬

وكنت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الابتدائية‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬الإمام‭ ‬الصادق‭ ‬الابتدائية،‭ ‬ولولعي‭ ‬بالأدب‭ ‬اجتهد‭ ‬في‭ ‬الإلقاء‭ ‬مرتجلا‭ ‬في‭ ‬الطابور‭ ‬الصباحي‭.‬

كبرت‭ ‬معي‭ ‬اللغة‭ ‬وكبرت‭ ‬معها،‭ ‬وظل‭ ‬الشعر‭ ‬يتسامر‭ ‬معي‭ ‬ليلا‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬القمر،‭ ‬ويحتسي‭ ‬معي‭ ‬القهوة‭ ‬في‭ ‬الصباح‭. ‬نهج‭ ‬البلاغة‭ ‬كان‭ ‬إنجيلي‭ ‬في‭ ‬الإمساك‭ ‬بناصية‭ ‬الكلمات،‭ ‬ومازال‭ ‬هو‭ ‬سر‭ ‬توازني‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬توازنات‭ ‬الحياة‭.‬

وكنت‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬مهووسا‭ ‬بتنس‭ ‬الطاولة،‭ ‬وأجيدها‭ ‬باحتراف‭ ‬ولي‭ ‬ميداليات‭ ‬ذهبية‭ ‬فيها،‭ ‬وكنت‭ ‬مولعا‭ ‬بالفاشن،‭ ‬وفتحت‭ ‬محلا‭ ‬في‭ ‬المنامة‭ ‬وصممت‭ ‬عدة‭ ‬قطع،‭ ‬وعرضتها‭ ‬بفرنسا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ((‬الربيع‭ ‬العربي‭)) ‬إلتهم‭ ‬بعض‭ ‬متابعاتي‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬أعود‭ ‬إليها‭ ‬متفرغا‭ ‬بشغف‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬رسم‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬الساخر‭.‬

وعندي‭ ‬عين‭ ‬قناص‭ ‬في‭ ‬اصطياد‭ ‬قطع‭ ‬الديكور‭. ‬ليست‭ ‬نرجسية،‭ ‬ولكن‭ ‬الله‭ ‬أمرنا‭ ‬أن‭ ‬نتلهى‭ ‬بالجمال،‭ ‬أنا‭ ‬أقدس‭ ‬الجمال‭ ‬بكل‭ ‬ألوانه‭ ‬ويغويني‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الخامة‭ ‬كانت‭ ‬متوفرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خطفتني‭ ‬السياسة،‭ ‬وزنزانة‭ ‬التأدلج‭ ‬السياسي‭. ‬أتذكر‭ ‬أني‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ ‬كتبت‭ ‬قصيدة‭ ‬غزل‭ ‬بدايتها‭:‬

لو‭ ‬آن‭ ‬للعين‭ ‬بأن‭ ‬تكتبا‭ ‬وللرموش‭ ‬السود‭ ‬أن‭ ‬تطنبا

قالت‭ ‬الحب‭ ‬له‭ ‬وحده‭ ‬ذنبا‭ ‬أتى‭ ‬أو‭ ‬جاءني‭ ‬مذنبا

يا‭ ‬سيدي،‭ ‬خط‭ ‬الهوى‭ ‬محنة‭ ‬ما‭ ‬سلم‭ ‬الخلُ‭ ‬به‭ ‬صاحبا

نمت‭ ‬على‭ ‬أهذابه‭ ‬ليلة‭ ‬أسكرت‭ ‬فيها‭ ‬النجم‭ ‬والكوكبا

بنيت‭ ‬قصرا‭ ‬فوق‭ ‬أجفانه‭ ‬فاق‭ ‬قصور‭ ‬المُلْك‭ ‬فوق‭ ‬الربى

ونظمت‭ ‬أبياتا‭ ‬في‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الثائر‭:‬

اسكر‭ ‬بلادك‭ ‬من‭ ‬دماك‭ ‬فإنما‭ ‬أرض‭ ‬بلا‭ ‬دم‭ ‬تزول‭ ‬وتذهبُ

وكن‭ ‬الفتى‭ ‬يهوى‭ ‬الحياة‭ ‬كريمة‭ ‬بسلاح‭ ‬همته‭ ‬يصول‭ ‬ويرعب،‭ ‬واترك‭ ‬حياة‭ ‬الخانعين‭ ‬فإنها‭ ‬عيش‭ ‬الضعيف‭ ‬وعيشها‭ ‬لا‭ ‬يطلب

واختر‭ ‬حساما‭ ‬للطريق‭ ‬فإنه‭ ‬نعم‭ ‬الرفيق‭ ‬لثاثر‭ ‬يتغرب،‭ ‬وإذا‭ ‬الشعوب‭ ‬تمردت‭ ‬لخلاصها‭ ‬نطق‭ ‬الحديد‭ ‬وجرحها‭ ‬يتصبب

إن‭ ‬العظيم‭ ‬وإن‭ ‬تحطم‭ ‬سيفه‭ ‬يرنو‭ ‬إلى‭ ‬قمم‭ ‬الكفاح‭ ‬ويطلب

عاشوا‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬ديار‭ ‬أحبة‭ ‬فعن‭ ‬الطلول‭ ‬تشردوا‭ ‬وتغربوا

بؤساء‭ ‬عاشوا‭ ‬والضمير‭ ‬محلق‭ ‬بالكبرياء‭ ‬متيم‭ ‬ومعذب

وقام‭ ‬تلفزيون‭ ‬البحرين‭ ‬مشكورا‭ ‬بتوثيق‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ((‬بروفايل‭)) ‬خاص‭ ‬سلط‭ ‬الضوء‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الشعر،‭ ‬ولعب‭ ‬تنس‭ ‬الطاولة‭ ‬والديكور‭ ‬ورسم‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬إلى‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة‭ ‬وهو‭ ‬موجود‭ ‬باليوتيوب‭.‬

كشخص‭ ‬مهووس‭ ‬بالثقافة‭ ‬تنقلت‭ ‬بين‭ ‬صالونات‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬والفلسفة‭ ‬وأكثر‭ ‬وجودي‭ ‬بأوروبا‭ ‬أذهب‭ ‬منقبا‭ ‬عن‭ ‬الفلسفة‭ ‬والتاريخ،‭ ‬وكل‭ ‬علوم‭ ‬الأنثروبولوجيا،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬الشعر‭ ‬محطتي‭ ‬التي‭ ‬تخفف‭ ‬عليَّ‭ ‬وجع‭ ‬الواقع،‭ ‬إلا‭ ‬أني‭ ‬الآن‭ ‬أكثرت‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬البرمجة‭ ‬اللغوية‭ ‬وعلم‭ ‬الطاقة‭ ‬وكل‭ ‬حلمي‭ ‬أن‭ ‬أتفرغ‭ ‬لإتقان‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والإسبانية‭ ‬وهذا‭ ‬طموحي‭ ‬القادم‭.‬

مع‭ ‬الجمال‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كثعلب‭ ‬الغابة‭ ‬لا‭ ‬تريح‭ ‬ولا‭ ‬تستريح‭. ‬قناعتي‭ ‬أن‭ ‬الشِعر،‭ ‬الجمال،‭ ‬الرومانسيّة،‭ ‬الحُب‭.. ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تجعلنا‭ ‬نبقى‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭.‬

لقت‭ ‬القصيدة‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬بمناسبة‭ ‬عيد‭ ‬ميلاده‭ ‬المجيد‭ ‬صدى‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬البحريني،‭ ‬وجاءني‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الاتصالات‭ ‬تتساءل‭ ‬عني‭ ‬كشاعر‭ ‬وعن‭ ‬هل‭ ‬ثمة‭ ‬ديوان‭ ‬مستقبلي؟

وأقول‭: ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬قصيدة‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬قصائد‭ ‬سكبتها‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬جلالته‭ ‬كرسالة‭ ‬حب‭ ‬وتقدير،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬أنشرها‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬لكي‭ ‬أوصل‭ ‬رسالة‭ ‬تقدير‭ ‬لجلالته‭ ‬بأنه‭ ‬سيبقى‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬ركن‭ ‬يسقط‭ ‬فيه‭ ‬المطر‭. ‬فأنا‭ ‬رجل‭ ‬أعرف‭ ‬لغة‭ ‬الوفاء،‭ ‬وتقدير‭ ‬الكبار‭.‬

وهنا‭ ‬أقول‭ ‬فيه‭ ‬بيت‭ ‬شعر‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬طويلة‭ ‬نظمتها‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬وأرسلتها‭ ‬لجلالته‭ ‬

إن‭ ‬كان‭ ‬بالتيجان‭ ‬يزهو‭ ‬حاكمٌ‭ ‬أنت‭ ‬الذي‭ ‬تزهو‭ ‬به‭ ‬التيجانُ