“إفلتيهم على أبوهم.. إفلتهم على أمهم”!

| سعيد محمد

كم‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬مدمرة‭ ‬لمشاعر‭ ‬الأطفال،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬يمكنّهم‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬الكلام‭ ‬القاسي،‭ ‬حين‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬الأهل‭ ‬ويصل‭ ‬إلى‭ ‬مسامع‭ ‬الأطفال‭ ‬باعتبارهم‭ ‬عبئًا‭ ‬يلزم‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭! ‬

حسنًا،‭ ‬لن‭ ‬نعتبرها‭ ‬ظاهرة،‭ ‬ولكن‭ ‬لنفترض‭ ‬أنها‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭.. ‬أسرة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭.. ‬لطفلين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭.. ‬فقط،‭ ‬مع‭ ‬أنني‭ ‬متأكد‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬منكم‭ ‬سمعوا‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬أو‭ ‬ربما‭.. ‬قالها‭ ‬البعض‭ ‬بلسانه،‭ ‬فطرف‭ ‬من‭ ‬الأهل‭ ‬قال‭ ‬للأم‭ ‬قاصدًا‭ ‬أبنائها‭ ‬بعد‭ ‬طلاقها‭: ‬“إفلتيهم‭ ‬على‭ ‬أبوهم”،‭ ‬أو‭ ‬قالها‭ ‬أهل‭ ‬الأب‭ ‬له‭: ‬“إفلتهم‭ ‬على‭ ‬أمهم”‭! ‬

يحدث‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬حالات‭ ‬الانفصال،‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬الأطفال‭ ‬موقع‭ ‬العبء‭ ‬فعلًا،‭ ‬خصوصًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأمهات‭ ‬اللواتي‭ ‬لا‭ ‬يحصلن‭ ‬على‭ ‬نفقة‭ ‬وفق‭ ‬حكمها‭ ‬الشرعي‭ ‬وفي‭ ‬موعدها‭ ‬الشهري‭ ‬المحدد،‭ ‬أو‭ ‬للآباء‭ ‬الذين‭ ‬آلت‭ ‬لهم‭ ‬الحضانة،‭ ‬فيما‭ ‬زوجاتهم‭ ‬الجديدات‭ ‬يرفضن‭ ‬وجودهم‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬معهن،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬يتم‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬بالفعل؛‭ ‬ليعيشوا‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أجدادهم‭ ‬أو‭ ‬أعمامهم‭ ‬أو‭ ‬أخوالهم،‭ ‬ونكرر،‭ ‬لن‭ ‬نقول‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬منتشرة‭ ‬وكبيرة،‭ ‬لكنها‭ ‬موجودة،‭ ‬فهل‭ ‬انسلخ‭ ‬بعض‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬من‭ ‬الإنسانية‭ ‬والرأفة‭ ‬حتى‭ ‬تجاه‭ ‬فلذات‭ ‬أكبادهم؟‭ ‬أي‭ ‬قلب‭ ‬لأم‭ ‬أو‭ ‬أب‭ ‬يسمح‭ ‬بأن‭ ‬تصل‭ ‬تلك‭ ‬العبارات‭ ‬القاسية‭ ‬إلى‭ ‬مسامع‭ ‬الأطفال‭ ‬وكأنهم‭ ‬بلا‭ ‬شعور‭.‬

وسواء‭ ‬كانت‭ ‬الكلمة‭ ‬بالعامية‭ ‬“إفلتهم”‭ ‬أو‭ ‬بالفصحى‭ ‬“إرمهم”‭ ‬أو‭ ‬تخلص‭ ‬منهم،‭ ‬فإنها‭ ‬بكل‭ ‬لغات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والرحمة‭ ‬مرفوضة،‭ ‬ومهما‭ ‬كانت‭ ‬دوافع‭ ‬وأسباب‭ ‬الطلاق،‭ ‬فلا‭ ‬ذنب‭ ‬للأطفال‭ ‬لكي‭ ‬يقعوا‭ ‬ضحية‭ ‬انتقام‭ ‬وروح‭ ‬عدائية‭ ‬كريهة‭ ‬بين‭ ‬أبويهم‭.‬

في‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬ولله‭ ‬الحمد،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬انخفاضًا‭ ‬في‭ ‬معدل‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق‭ ‬حسب‭ ‬البيانات‭ ‬الإحصائية‭ ‬المتوفرة‭ ‬لدى‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬والأوقاف،‭ ‬وفي‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة،‭ ‬إذ‭ ‬بلغت‭ ‬النسبة‭ ‬حوالي‭ ‬7‭ % (‬وفق‭ ‬بيانات‭ ‬العام‭ ‬2014‭) ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬19‭ % ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬انخفاضًا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الطلاق،‭ ‬ولا‭ ‬تتوافر‭ ‬بيانات‭ ‬أحدث،‭ ‬لكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خدمات‭ ‬التوفيق‭ ‬الأسري‭ ‬والصلح‭ ‬الزوجي‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المكاتب‭ ‬الأسرية‭ ‬ولدى‭ ‬المرشدين‭ ‬والمرشدات‭ ‬الاجتماعيين،‭ ‬أسهمت‭ ‬فعليًا‭ ‬في‭ ‬رأب‭ ‬صدع‭ ‬بعض‭ ‬الأسر،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬زيادة‭ ‬برامج‭ ‬التوعية‭ ‬والإرشاد‭ ‬الأسري‭ ‬حتى‭ ‬لمن‭ ‬وقع‭ ‬الطلاق‭ ‬بينهم؛‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬“مرميين‭ ‬مفلوتين”‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وكأنهم‭ ‬وصمة‭ ‬عار،‭ ‬رجاءً‭ ‬لا‭ ‬“تفلتونهم”‭.. ‬لطفك‭ ‬يا‭ ‬رب‭.‬