“داعش”‭... ‬بضاعتهم‭ ‬رُدت‭ ‬إليهم‭!‬

| عبدالنبي الشعلة

تكونت‭ ‬نواة‭ ‬تنظيم‭ ‬“الدولة‭ ‬الإسلامية”،‭ ‬والمعروف‭ ‬اختصارًا‭ ‬بـ‭ ‬“داعش”‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بالعام‭ ‬2004‭. ‬وابتداءً‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2014‭ ‬انتشر‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬ثم‭ ‬تمدد‭ ‬سريعًا‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية،‭ ‬وأصبح‭ ‬التنظيم‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭. ‬

وقدرت‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الغربية‭ ‬عدد‭ ‬مقاتلي‭ ‬التنظيم‭ ‬الموزعين‭ ‬بين‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬2014،‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬تتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬و45‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭.‬

وبفضل‭ ‬جهود‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي،‭ ‬وبعد‭ ‬تدخل‭ ‬الإيرانيين‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬العراقية‭ ‬وتدخل‭ ‬الروس‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السورية‭ ‬تم‭ ‬هزيمة‭ ‬“داعش”‭ ‬والقضاء‭ ‬عليه‭ ‬بنهاية‭ ‬العام‭ ‬2017،‭ ‬وبذلك‭ ‬انهار‭ ‬مشروع‭ ‬“الدولة‭ ‬الإسلامية”‭. ‬

وذكر‭ ‬تقرير‭ ‬أعدته‭ ‬لجنة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬2015،‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭ ‬أجنبي‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬انضموا‭ ‬إلى‭ ‬“داعش”‭ ‬وذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬قدم‭ ‬منها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬5‭ ‬آلاف‭ ‬مقاتل،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬أيضًا‭ ‬8500‭ ‬مقاتل‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬قدموا‭ ‬من‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭.‬

إلا‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬ندري‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬وبالتفصيل‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬لهذه‭ ‬الآلاف‭ ‬المؤلفة‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والأجانب‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬المدربين‭ ‬“الدواعش”‭ ‬الإرهابيين‭ ‬بعد‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬“داعش”‭! ‬وكم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬قُتل‭ ‬منهم؟‭ ‬وكيف‭ ‬وأين‭ ‬قُتلوا؟‭ ‬وكم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أُسر‭ ‬منهم؟‭ ‬وأين‭ ‬أسروا؟‭ ‬وكم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬هرب‭ ‬منهم؟‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬والتساؤلات‭ ‬المحيرة‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬المعنية‭ ‬والمختصة‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬أخذ‭ ‬الحيطة‭ ‬والحذر‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬أهبة‭ ‬الاستعداد؛‭ ‬لمواجهة‭ ‬أي‭ ‬طارئ‭ ‬وأي‭ ‬احتمال‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬على‭ ‬إدراك‭ ‬تام‭ ‬بحجم‭ ‬التحديات‭ ‬وبهذه‭ ‬الحقائق،‭ ‬وأنها‭ ‬قد‭ ‬وضعت‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬وأخذت‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الاحتمالات‭ ‬والافتراضات‭ ‬والسيناريوهات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬منها،‭ ‬إن‭ ‬عدد‭ ‬ومصير‭ ‬من‭ ‬بقي‭ ‬حيًا‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬العرب‭ ‬غير‭ ‬معروف،‭ ‬ونحن‭ ‬نتكلم‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬الإرهابيين‭ ‬العرب‭ ‬فقط،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬احتمالين،‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬أنهم‭ ‬أدركوا‭ ‬ضعف‭ ‬وفساد‭ ‬المسار‭ ‬الإرهابي‭ ‬واستسلموا‭ ‬طوعا‭ ‬إلى‭ ‬حتمية‭ ‬التخلي‭ ‬عنه‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬حاضناتهم‭ ‬ومجتمعاتهم‭ ‬الأسرية‭ ‬والقبلية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬ستوفر‭ ‬لهم‭ ‬الحماية‭ ‬وتساعدهم‭ ‬على‭ ‬الذوبان‭ ‬والاندماج‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭.‬

والاحتمال‭ ‬الثاني،‭ ‬وهو‭ ‬الأقوى‭ ‬والأرجح،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المقاتلين‭ ‬الإرهابيون‭ ‬العرب‭ ‬وجدوا‭ ‬مشقة‭ ‬وصعوبة‭ ‬في‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬عقيدة‭ ‬وثقافة‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب،‭ ‬ولم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬والاندماج‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتهم،‭ ‬بل‭ ‬إنهم‭ ‬تحولوا‭ ‬إلى‭ ‬خلايا‭ ‬نائمة‭ ‬قابلة‭ ‬للاستيقاظ‭ ‬والانطلاق‭ ‬والانقضاض،‭ ‬وتنتظر‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬أو‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬هزيمة‭ ‬“داعش”‭ ‬العسكرية‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬رؤوسه‭ ‬القيادية‭ ‬أو‭ ‬تشتيتها‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬وأيديولوجية‭ ‬التطرف‭ ‬والعنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬بقيت‭ ‬عالقة‭ ‬ومستقرة‭ ‬في‭ ‬وجدانهم‭ ‬وقابلة‭ ‬للاستنفار‭ ‬والاشتعال‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬هناك‭ ‬بيئات‭ ‬ملائمة‭ ‬وظروف‭ ‬مهيأة‭ ‬تغذي‭ ‬من‭ ‬نزعة‭ ‬العنف‭ ‬المسلح‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المقاتلين‭ ‬الأجانب‭ ‬وبالأخص‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬والجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة،‭ ‬فإن‭ ‬بقاءهم‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬واندماجهم‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الصعوبة‭ ‬والتعقيد،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الاستحالة،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬لهم‭ ‬أي‭ ‬خيار‭ ‬سوى‭ ‬الفرار‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬بلدانهم‭ ‬الأصلية،‭ ‬فأصبحوا‭ ‬يشكلون‭ ‬التهديد‭ ‬الأبرز‭ ‬لأوطانهم‭ ‬والتحدي‭ ‬الأخطر‭ ‬لأمن‭ ‬أوروبا‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬وللأمن‭ ‬العالمي‭ ‬عمومًا‭. ‬مع‭ ‬أن‭ ‬إمكان‭ ‬عودة‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مستقبلًا‭ ‬سيظل‭ ‬احتمالًا‭ ‬واردًا‭ ‬وليس‭ ‬مستبعدًا،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬التغافل‭ ‬عنه‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬المراقبين‭ ‬والمحللين‭ ‬المختصين‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الإرهابيين،‭ ‬الذين‭ ‬أصبحوا‭ ‬إرهابيين‭ ‬دوليين‭ ‬متمرسين‭ ‬بعد‭ ‬تجاربهم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬سيتوجهون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬آفاق‭ ‬وميادين‭ ‬أخرى‭ ‬ملائمة‭ ‬للعمل‭ ‬والتحرك،‭ ‬وأن‭ ‬الوجهة‭ ‬الأفضل‭ ‬والأسهل‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬ستكون‭ ‬أوروبا‭.‬

فبعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الهياكل‭ ‬التنظيمية‭ ‬والقيادية‭ ‬لـ‭ ‬“داعش”‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬فإن‭ ‬أنماطًا‭ ‬مختلفة‭ ‬لقيادة‭ ‬وتوجيه‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬ستشهدها‭ ‬أوروبا،‭ ‬وأساليب‭ ‬متطورة‭ ‬للعنف،‭ ‬وجيلا‭ ‬جديدا‭ ‬من‭ ‬المتمردين‭ ‬ومن‭ ‬القتلة‭ ‬والإرهابيين‭ ‬سيولدون‭ ‬فيها،‭ ‬وسيتم‭ ‬تشكيل‭ ‬خلايا‭ ‬فاعلة‭ ‬أو‭ ‬مفارز‭ ‬صغيرة‭ ‬ضاربة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اتباع‭ ‬تكتيك‭ ‬“الذئاب‭ ‬المنفردة”‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬الهياكل‭ ‬التنظيمية‭.‬

وكما‭ ‬ذكرنا‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬العدد‭ ‬الكلي‭ ‬للإرهابيين‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬“داعش”‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬و45‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭ ‬حسب‭ ‬تقديرات‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الغربية،‭ ‬منهم‭ ‬20‭ ‬ألفا‭ ‬أجانب،‭ ‬حسب‭ ‬تقديرات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬قدم‭ ‬غالبيتهم‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬والجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬كانت‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬66‭ % ‬أو‭ ‬حوالي‭ ‬45‭ % ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإننا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نستنتج‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬وبساطة‭ ‬أن‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬صناعة‭ ‬عربية‭ ‬محلية‭ ‬خالصة،‭ ‬بل‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تكوينها‭ ‬وتشييدها،‭ ‬وبشكل‭ ‬كبير‭ ‬وفعال،‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الإرهابيين‭ ‬الأجانب‭ ‬جاء‭ ‬غالبيتهم،‭ ‬كما‭ ‬قلنا،‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬والجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة،‭ ‬وأن‭ ‬التطورات‭ ‬الراهنة‭ ‬توحي‭ ‬بأن‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬المتهمة‭ ‬بتفريخ‭ ‬واحتضان‭ ‬الإرهابيين‭ ‬مستقبلًا‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬مصدر‭ ‬التهديد‭ ‬الإرهابي‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وسينتقل‭ ‬ثقل‭ ‬الحراك‭ ‬الإرهابي‭ ‬ومراكزه‭ ‬ومفاصله‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬وإلى‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬سابقًا،‭ ‬وبذلك‭ ‬تكون‭ ‬بضاعتهم‭ ‬قد‭ ‬ردت‭ ‬إليهم‭.‬