المعادلة‭ ‬الصعبة

| د. عبدالله الحواج

معادلة‭ ‬صعبة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬شدد‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬على‭ ‬تجاوزها‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬بزيارة‭ ‬مفاجئة‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬التجارة‭ ‬والصناعة‭ ‬الإثنين‭ ‬الماضي،‭ ‬عنق‭ ‬زجاجة‭ ‬ربما،‭ ‬لكنها‭ ‬معضلة‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬فتح‭ ‬أسواق‭ ‬البحرين‭ ‬ليخسر‭ ‬التاجر‭ ‬البحريني،‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬تشجيع‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي،‭ ‬فيذهب‭ ‬الاستثمار‭ ‬الوطني‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬رجعة‭.‬

الانفتاح‭ ‬مهم،‭ ‬وهو‭ ‬ديدن‭ ‬العالم‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الاستدامة‭ ‬في‭ ‬النماء،‭ ‬والمواكبة‭ ‬مع‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬والقوانين‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬لكن‭ ‬التيقن‭ ‬من‭ ‬جدوى‭ ‬هذا‭ ‬الاستثمار‭ ‬أهم،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬اخترقت‭ ‬حدودنا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬التسهيلات‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬العامل‭ ‬الوافد‭ ‬والمستثمر‭ ‬الأجنبي‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬بموجبها‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬دائمة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬بل‭ ‬وعلى‭ ‬تراخيص‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الحرية‭ ‬والسلاسة‭ ‬لتأسيس‭ ‬الشركات‭ ‬وإقامة‭ ‬المشروعات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬كفيل‭ ‬بحريني‭ .‬

بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬التاجر‭ ‬البحريني‭ ‬يشكو‭ ‬مر‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬منافسة‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭ ‬ولدرجة‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الوافدين‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬سجلاته‭ ‬للتأجير‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬المواطن‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الأجنبي‭ ‬كي‭ ‬يؤجر‭ ‬له‭ ‬سجله‭ ‬التجاري‭ ‬بمقابل‭ ‬مجز‭.‬

حينذاك‭ ‬قامت‭ ‬الدنيا‭ ‬ولم‭ ‬تقعد،‭ ‬وبدأت‭ ‬غرفة‭ ‬التجارة‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬سن‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬بموجبها‭ ‬ترحيل‭ ‬الأجانب‭ ‬المستأجرين‭ ‬لسجلات‭ ‬تجارية،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الإجراءات‭ ‬لم‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الأرض،‭ ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬الانفتاح‭ ‬والتحرر‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬قد‭ ‬نفذا‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الأبواب‭ ‬الموصدة‭ ‬للدول‭ ‬المحافظة‭ ‬كي‭ ‬تخترق‭ ‬القوانين‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬الصميم،‭ ‬لكن‭ ‬الصحيح‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬اهتمام‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بالمواطن‭ ‬لم‭ ‬يخفت‭ ‬صوته‭ ‬أبدا‭ ‬ولدرجة‭ ‬أن‭ ‬“رأس‭ ‬الحكمة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬مخافة‭ ‬الله”‭ ‬قد‭ ‬تجلت‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬سموه‭ ‬الناري‭ ‬وهو‭ ‬يزور‭ ‬غرفة‭ ‬التجارة‭ ‬والصناعة‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭: ‬لا‭ ‬أقبل‭ ‬منافسة‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬رزقه‭.‬

نحن‭ ‬ندرك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬الأبواب‭ ‬للمستثمر‭ ‬الأجنبي‭ ‬كي‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬الاستدامة‭ ‬بالمملكة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬نحن‭ ‬نحتاج‭ ‬للمستثمر‭ ‬الحقيقي‭ ‬وليس‭ ‬للذين‭ ‬يستخدمون‭ ‬مناخ‭ ‬الانفتاح‭ ‬ويجيرونه‭ ‬لصالحهم‭ ‬فقط‭ ‬ملحقين‭ ‬بذلك‭ ‬أضرارا‭ ‬جسيمة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭.‬

إن‭ ‬المتتبع‭ ‬للحركة‭ ‬الدءوبة‭ ‬التي‭ ‬جسدتها‭ ‬اجتماعات‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬وهو‭ ‬يرأس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأخير،‭ ‬كذلك‭ ‬وسموه‭ ‬يقوم‭ ‬بزيارة‭ ‬لقبها‭ ‬البعض‭ ‬بالتاريخية‭ ‬للغرفة‭ ‬التجارة‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬محطات‭ ‬عدة‭ ‬نوجزها‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭:‬

أولا‭: ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬يولي‭ ‬اهتماما‭ ‬بالغا‭ ‬لتحقيق‭ ‬المعادلة‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬باتجاه‭ ‬المصلحة‭ ‬المجتمعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدالة‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬بين‭ ‬هموم‭ ‬المواطن‭ ‬وشجون‭ ‬التاجر‭.‬

ثانيا‭: ‬الضرب‭ ‬بيد‭ ‬من‭ ‬حديد‭ ‬على‭ ‬المتلاعبين‭ ‬بالأسعار‭ ‬مستغلين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ضريبة‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الرسوم‭.‬

ثالثا‭: ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬المجتمعي‭ ‬في‭ ‬توزيعات‭ ‬المساكن‭ ‬وعدم‭ ‬ترك‭ ‬العائلة‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬مهب‭ ‬عادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬دخيلة‭.‬

رابعا‭: ‬إن‭ ‬الدولة‭ ‬تولى‭ ‬اهتماما‭ ‬بالغا‭ ‬بآراء‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬تعديلاتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬عمل‭ ‬الحكومة‭.‬

أخيرا‭: ‬إن‭ ‬الوطن‭ ‬يواجه‭ ‬تحديات‭ ‬اقتصادية‭ ‬من‭ ‬العيار‭ ‬الثقيل،‭ ‬أهمها‭ ‬كيفية‭ ‬تحقيق‭ ‬المواءمة‭ ‬أو‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الانفتاح‭ ‬والحماية‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬للموقف‭ ‬الاستباقي‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬زيارته‭ ‬لغرفة‭ ‬التجارة‭ ‬والصناعة‭ ‬ببحث‭ ‬تعديل‭ ‬التشريعات‭ ‬التجارية‭ ‬لتكون‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬المواطن‭ ‬والتاجر‭ ‬معا‭ ‬قوة‭ ‬الفعل‭ ‬ورد‭ ‬الفعل،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬المستثمر‭ ‬البحريني‭ ‬أو‭ ‬المستهلك‭ ‬المواطن‭ ‬شأنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬الآخر‭ ‬الوافد،‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الربحية‭ ‬والحماية‭ ‬والاستقرار،‭ ‬وأن‭ ‬وطنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أمن‭ ‬وأمان‭ ‬تشريعي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬الرخوة‭ ‬التي‭ ‬تتسبب‭ ‬فيها‭ ‬ميوعة‭ ‬القوانين‭ ‬وسيولة‭ ‬اللوائح‭ ‬وغموض‭ ‬الإجراءات،‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬صرامة‭ ‬التوجه‭ ‬من‭ ‬سمو‭ ‬الرئيس‭ ‬متجاوزة‭ ‬بكثير‭ ‬حدود‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬أشباح‭ ‬محلقة‭ ‬وهواجس‭ ‬مسيطرة‭ ‬وآمال‭ ‬على‭ ‬المحك‭.‬