الوقاحة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الإيرانية

| مؤنس المردي

رغم‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الزيارة‭ ‬الأولى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬توقيت‭ ‬زيارة‭ ‬قائد‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬جعفري،‭ ‬لجزيرة‭ ‬“أبو‭ ‬موسى”‭ ‬التابعة‭ ‬لدولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬الشقيقة‭ ‬والمحتلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إيران‭ ‬تحمل‭ ‬رسالة‭ ‬غطرسة‭ ‬وتحدٍّ‭ ‬للدول‭ ‬العربية،‭ ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬اللقاء‭ ‬التشاوري‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بالمملكة‭ ‬الأردنية‭ ‬الهاشمية‭ ‬حول‭ ‬أوضاع‭ ‬وتطورات‭ ‬المنطقة،‭ ‬كما‭ ‬صاحبها‭ ‬تصريحات‭ ‬خطيرة،‭ ‬واصفًا‭ ‬فيها‭ ‬الجزيرة‭ ‬الإماراتية‭ ‬بأنها‭ ‬قلب‭ ‬إيران‭ ‬النابض،‭ ‬ونعت‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬بـ”الأعداء”،‭ ‬محذّرًا‭ ‬إياهم‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الجزر‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وأن‭ ‬المقاتلين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬سيدافعون‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شبر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجزر‭.‬

‭ ‬هي‭ ‬إذن‭ ‬وكأنها‭ ‬زيارة‭ ‬“إعلان‭ ‬حرب”‭ ‬واستعراض‭ ‬للقوة‭ ‬وفرض‭ ‬العضلات،‭ ‬سبقها‭ ‬تصريحات‭ ‬عدائية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬الخارجية‭ ‬الإيرانية‭ ‬ضد‭ ‬البحرين‭ ‬مثلت‭ ‬تدخلاً‭ ‬سافرًا‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬القضاء‭ ‬المستقل‭ ‬النزيه‭ ‬في‭ ‬المملكة،‭ ‬ودفاعًا‭ ‬معهودًا‭ ‬عن‭ ‬أدوات‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬واتهامات‭ ‬تثير‭ ‬الضحك‭ ‬من‭ ‬مسؤول‭ ‬دولة‭ ‬باتت‭ ‬النموذج‭ ‬الأسوأ‭ ‬في‭ ‬قمع‭ ‬الحقوق‭ ‬وهدر‭ ‬الحريات،‭ ‬والمثال‭ ‬الأقبح‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬أفظع‭ ‬الممارسات‭ ‬والانتهاكات‭ ‬بحق‭ ‬مواطنيها‭.‬

‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬والأقوال‭ ‬تضيّق‭ ‬إيران‭ ‬خيارات‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬وتجعل‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬الحوار‭ ‬وعودة‭ ‬العلاقات‭ ‬الطبيعية‭ ‬صعبة‭ ‬الحدوث‭ ‬وبعيدة‭ ‬المنال،‭ ‬لإصرار‭ ‬طهران‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬سياساتها‭ ‬الخطيرة‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬المنطقة‭ ‬وشعوبها‭ ‬بعدم‭ ‬احترامها‭ ‬لسيادة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وتدخلها‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية،‭ ‬وحرصها‭ ‬على‭ ‬إثارة‭ ‬الفتن‭ ‬الطائفية‭ ‬ودعم‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬لتجعل‭ ‬المنطقة‭ ‬ساحة‭ ‬دائمة‭ ‬للقلاقل‭ ‬والاضطرابات‭ ‬لتتمكّن‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أطماعها‭ ‬السياسية‭ ‬والطائفية‭ ‬ومد‭ ‬نفوذها‭.‬

‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يقال‭ ‬الكثير‭ ‬عما‭ ‬دار‭ ‬في‭ ‬اللقاء‭ ‬الوزاري‭ ‬التشاوري‭ ‬بالأردن‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬البنود‭ ‬والمحاور‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬دافعًا‭ ‬وهدفًا‭ ‬لهذا‭ ‬اللقاء‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬خيارات‭ ‬عودة‭ ‬إيران‭ ‬والتزامها‭ ‬بحسن‭ ‬الجوار‭ ‬باتت‭ ‬“شبه”‭ ‬مغلقة،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬وملحة‭ ‬للتوصل‭ ‬لرؤية‭ ‬عربية‭ ‬متكاملة‭ ‬وفاعلة‭ ‬لتحسين‭ ‬حال‭ ‬الأمة‭ ‬وإنقاذ‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬جرثومة‭ ‬تنتشر‭ ‬وتنشر‭ ‬معها‭ ‬الوباء‭ ‬أينما‭ ‬تواجدت‭ ‬بحرسها‭ ‬الثوري‭ ‬ونهجها‭ ‬الطائفي‭ ‬ووكلائها‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬والتنظيمات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬لدرجة‭ ‬جعلتها‭ ‬العنصر‭ ‬الأخطر‭ ‬والعامل‭ ‬الأعقد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬أوجاع‭ ‬وأزمات‭.‬

‭ ‬مخطئٌ‭ ‬من‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬وضع‭ ‬تلك‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬أمر‭ ‬سهل،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬بالغ‭ ‬التعقيد‭ ‬وشديد‭ ‬الدقة،‭ ‬ولكن‭ ‬تبقى‭ ‬“المصلحة‭ ‬العربية”‭ ‬و”العربية‭ ‬فقط”‭ ‬هي‭ ‬المكون‭ ‬الأساس‭ ‬والحاسم‭ ‬فيها،‭ ‬فقد‭ ‬نختلف‭ ‬على‭ ‬المسميات‭ ‬والأطر‭ ‬والأشكال‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬جميعًا‭ ‬نتفق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬حماية‭ ‬دولنا‭ ‬وشعوبنا‭ ‬وأن‭ ‬الوصول‭ ‬لهذا‭ ‬الهدف‭ ‬وتحقيقه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬نفسها‭ ‬واستغلال‭ ‬طاقاتها‭ ‬ومواردها‭ ‬وتقوية‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬وأيضًا‭ ‬باستثمار‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بالدول‭ ‬الكبرى‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬لنصل‭ ‬لأفضل‭ ‬ضمانات‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭.‬