في‭ ‬الخطيئة‭ ‬الراسخة‭ (‬3‭)‬

| علي نون

سيمضي‭ ‬وقت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُفَسَّر‭ ‬محتوى‭ ‬الجموح‭ ‬الإيراني‭ ‬إلى‭ ‬لعب‭ ‬أدوار‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬طاقات‭ ‬وقدرات‭ ‬وإمكانات‭ ‬جمهورية‭ ‬“الولي‭ ‬الفقيه”‭! ‬وسيمضي‭ ‬وقت‭ ‬آخر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تُفَسَّر‭ ‬تلك‭ ‬المغالاة‭ ‬في‭ ‬تضخيم‭ ‬الذات‭ ‬عند‭ ‬أهل‭ ‬تلك‭ ‬الجمهورية‭! ‬وابتعادهم‭ ‬بمسافات‭ ‬طويلة‭ ‬عن‭ ‬بديهيات‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭! ‬والتصاقهم‭ ‬بمدوّنة‭ ‬أوهام‭ ‬خاصة‭ ‬بهم‭ ‬ومحاولة‭ ‬تنفيذها‭ ‬بالقوّة‭ ‬وبآليات‭ ‬وطرق‭ ‬وأساليب‭ ‬و”تنظيمات”‭ ‬وحروب‭ ‬وفِتَنْ‭ ‬مُدمِّرة‭! ‬ثمّ‭ ‬فحوى‭ ‬اعتقادهم‭ ‬الراسخ‭ ‬بأنهم‭ ‬يحتكرون‭ ‬الصلة‭ ‬بالذات‭ ‬الإلهية‭! ‬وبأن‭ ‬نسج‭ ‬الصلة‭ ‬بالعالم‭ ‬الخارجي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ (‬كثيراً‭!) ‬عن‭ ‬نسج‭ ‬قطعة‭ ‬سجّاد‭! ‬وأن‭ ‬توليفة‭ ‬الصبر‭ ‬والإلهيات‭ ‬والمبالغات‭ ‬الذاتية،‭ ‬كافية‭ ‬لإتمام‭ ‬المُراد‭ ‬وتحقيق‭ ‬الإعجاز‭!‬

حكى‭ ‬الراحل‭ ‬هاشمي‭ ‬رفسنجاني‭ ‬مرّة‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬الوهن‭ ‬الداخلي‭ ‬الإيراني‭! ‬وعن‭ ‬مدى‭ ‬الاستنزاف‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬“الثورة”‭ ‬المستدامة،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬“إفلاس”‭ ‬إيران‭ ‬بالمعنيَين‭ ‬المادي‭ ‬المباشِر‭ ‬والسياسي‭ ‬العام،‭ ‬لكن‭ ‬صوته‭ ‬راح‭ ‬هباء‭ ‬وجرّ‭ ‬عليه‭ ‬غضب‭ ‬“المرشد”‭ ‬حتى‭ ‬وفاته،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬يغيّب‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬الغرّ‭ ‬أو‭ ‬الجاهل‭ ‬أو‭ ‬المتجاهل‭ ‬وحده‭ ‬مَن‭ ‬ينكر‭ ‬أن‭ ‬“إنجازات”‭ ‬إيران‭ ‬الخارجية‭ ‬و”فتوحاتها”‭ ‬و”أنوارها”‭ ‬و”اقتدارها”‭ ‬المدّعى‭ ‬إنما‭ ‬بُنِيَت‭ ‬على‭ ‬أكتاف‭ ‬الغير‭! ‬بحيث‭ ‬أن‭ ‬الأميركيين‭ ‬دمّروا‭ ‬نظام‭ ‬“طالبان”‭ ‬فدخل‭ ‬الإيرانيون‭ ‬وراءهم‭ ‬وشبكوا‭ ‬علاقاتهم‭ ‬مع‭ ‬الأقوام‭! ‬ودمّر‭ ‬الأميركيون‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬والعراق‭ ‬معه‭ ‬فدخل‭ ‬الإيرانيون‭ ‬خلفهم‭ ‬وشبكوا‭ ‬ما‭ ‬شبكوا‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬مذهبية‭ ‬وسلطوية‭ ‬وميليشيوية،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬ابتلي‭ ‬اللبنانيون‭ ‬بحربهم‭ ‬الأهلية‭ ‬ثم‭ ‬بالمواجهات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬ثمّ‭ ‬بتبخير‭ ‬سيادتهم‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬السوريين‭ ‬فدخلوا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الحُطام‭ ‬وشبكوا‭ ‬ما‭ ‬شبكوا‭ ‬من‭ ‬علاقات،‭ ‬ليس‭ ‬“حزب‭ ‬الله”‭ ‬سوى‭ ‬أبرز‭ ‬وجوهها‭! ‬حتى‭ ‬في‭ ‬سوريا‭: ‬لولا‭ ‬الدخول‭ ‬الروسي‭ ‬الصاخب‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬القتال‭ ‬لراحت‭ ‬كل‭ ‬“استثمارات”‭ ‬إيران‭ ‬مع‭ ‬الريح‭!‬

لم‭ ‬يستطع‭ ‬ذلك‭ ‬“المشروع”‭ ‬أن‭ ‬ينفذ‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يدّعي‭ ‬حيثية‭ ‬أو‭ ‬قدرة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موقع‭ ‬“سوي”‭ ‬أو‭ ‬“طبيعي”‭ ‬حيث‭ ‬الدولة‭ ‬المركزية‭ ‬قائمة‭ ‬ومتأهّبة،‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬“الموضوع”‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأثير‭ ‬عندها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬تحرير‭ ‬شبر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬المحتلة،‭ ‬و”الإمارة”‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بُنيت‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬حرّرها‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬بالمفاوضات،‭ ‬مثلما‭ ‬أمكنه‭ ‬إنتاج‭ ‬الوضعية‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭!‬

‭...‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تصمّ‭ ‬الآذان‭ ‬صيحات‭ ‬“الانتصارات”‭ ‬و”الإنجازات”‭ ‬و”الفتوحات”‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬إيران‭ ‬وأهل‭ ‬محورها‭ ‬في‭ ‬نواحينا‭! ‬وستتصاعد‭ ‬وتيرتها‭ ‬في‭ ‬الآتي‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬للتغطية‭ ‬على‭ ‬تيقّن‭ ‬أصحابها‭ ‬بأن‭ ‬المرحلة‭ ‬العكسية‭ ‬بدأت‭! ‬وأن‭ ‬السياسات‭ ‬الماضية‭ ‬انتهت‭! ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬“المنطقة‭ ‬العربية”‭ ‬والخارج‭ ‬الدولي‭ ‬مَن‭ ‬قرّر‭ ‬شيئاً‭ ‬آخر‭ ‬مختلفاً‭ ‬جذرياً‭ ‬عمّا‭ ‬سلف‭! ‬وينطلق‭ ‬من‭ ‬اعتبار‭ ‬“المواجهة‭ ‬مصيرية”،‭ ‬وليس‭ ‬أقلّ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭!. ‬“المستقبل”‭.‬