وَخْـزَةُ حُب

الجمال... وجـه الحياة الآخر!

| د. زهرة حرم

لاشك‭ ‬أن‭ ‬الجمال‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يجذب‭ ‬الإنسان؛‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬مخلوقات‭ ‬الله‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مصنوع‭ ‬أبدعته‭ ‬يد‭ ‬البشر‭ ‬أنفسهم‭! ‬فالجمال‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬كل‭ ‬مفردات‭ ‬الطاقة‭ ‬الإيجابية؛‭ ‬كالحب؛‭ ‬والذوق،‭ ‬والراحة،‭ ‬والسعادة،‭ ‬والقيمة،‭ ‬وقِس‭ ‬عليها‭ ‬جميع‭ ‬ما‭ ‬يبعث‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬الحركةَ‭ ‬والحيوية‭ ‬والفتوة‭ ‬والانطلاقة‭ ‬والاكتشاف‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬المغامرات،‭ ‬والسفر،‭ ‬والتجديد،‭ ‬والتغيير،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬الحياتية‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬بعث‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء؛‭ ‬في‭ ‬الروح،‭ ‬والجسد،‭ ‬والعقل،‭ ‬والفكر‭.‬

الجمال‭ ‬هو‭ ‬المرادف‭ ‬أو‭ ‬المعنى‭ ‬الآخر‭ ‬للحياة؛‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تستقيم‭ ‬من‭ ‬دونه،‭ ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬تصور‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬وهي‭ ‬خالية‭ ‬أو‭ ‬متجردة‭ ‬من‭ ‬الحِس‭ ‬الجمالي؛‭ ‬وإلّا‭ ‬ساد‭ ‬القُبح،‭ ‬وغاب‭ ‬الإحساس،‭ ‬وانتفى‭ ‬الشعور،‭ ‬وتبلد‭ ‬الكون،‭ ‬وساد‭ ‬الموت‭ ‬والصمت؛‭ ‬فما‭ ‬يحركنا‭ ‬ويبعث‭ ‬فينا‭ ‬القوة‭ ‬واللذة‭ ‬وما‭ ‬يُحرك‭ ‬مكبوتات‭ ‬الداخل‭ ‬ويُخرجها‭ ‬إلى‭ ‬السطح؛‭ ‬هو‭ ‬الجمال؛‭ ‬فحيثما‭ ‬حلّ؛‭ ‬تنتعش‭ ‬الحياة‭!‬

سيسأل‭ ‬سائل‭: ‬أين‭ ‬الجمال؟‭ ‬والإجابة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭: ‬كُن‭ ‬جميلا،‭ ‬ترَ‭ ‬الوجود‭ ‬جميلا‭! ‬كل‭ ‬ماكياج‭ ‬العالم،‭ ‬وعطوره،‭ ‬وملابسه،‭ ‬وقصوره،‭ ‬وأفضل‭ ‬وجهات‭ ‬السفر،‭ ‬لن‭ ‬تضع‭ ‬الجمال‭ ‬بين‭ ‬يديك،‭ ‬ولن‭ ‬تقدم‭ ‬نفسها‭ ‬لك،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬ترها‭ ‬بعين‭ ‬جميلة؛‭ ‬هي‭ ‬انعكاسة‭ ‬حقيقية‭ ‬لجمال‭ ‬روحك‭!  ‬فالروح‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مستقرة،‭ ‬هادئة،‭ ‬راضية،‭ ‬آمنة،‭ ‬ستعيش‭ ‬أبدا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تجميل،‭ ‬تلهث‭ ‬وراء‭ ‬ما‭ ‬يُجمّل‭ ‬جسدها‭! ‬وهي‭ ‬محاولات‭ ‬يائسة،‭ ‬لن‭ ‬تتوقف،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يسبقها‭ ‬قرار‭ ‬داخليّ‭ ‬بأن‭ ‬تُحب‭ ‬نفسها،‭ ‬وتقبل،‭ ‬وترضى‭!‬

الداخل‭ ‬دائما‭ ‬هو‭ ‬الإجابة؛‭ ‬الجوهر،‭ ‬العُمق‭! ‬ألا‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الطفح‭ ‬الجلدي،‭ ‬وحب‭ ‬الشباب‭ ‬الذي‭ ‬يشوّه‭ ‬أجمل‭ ‬الوجوه،‭ ‬وبعض‭ ‬أعراض‭ ‬الأمراض‭ ‬التي‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬جسدك‭ ‬هي‭ ‬علامة‭ ‬قوية‭ ‬وبارزة،‭ ‬تُخبرك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خللًا‭ ‬أو‭ ‬عِلة‭ ‬داخلية‭ ‬عليك‭ ‬التعجيل‭ ‬بعلاجها‭! ‬فماذا‭ ‬تنتظر؟‭ ‬ابدأ‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تُعميك‭ ‬عن‭ ‬الإحساس‭ ‬بجماليات‭ ‬الكون،‭ ‬اليوم‭ ‬قبل‭ ‬الغد،‭ ‬فما‭ ‬يفوتك‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تتخيل،‭ ‬وفي‭ ‬الحياة‭ ‬مُتّسع‭ ‬للجميع‭!‬

الجمال‭ ‬يحيط‭ ‬بنا،‭ ‬يُحوّطنا،‭ ‬ويحتوينا،‭ ‬ويحتضن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فينا،‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وبُقعة‭ ‬وزاوية،‭ ‬ويبعث‭ ‬عطره‭ ‬وينشره‭. ‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أنه‭ ‬معكم‭ ‬الآن؛‭ ‬في‭ ‬نظرة‭ ‬طفل،‭ ‬أو‭ ‬حنان‭ ‬أم،‭ ‬أو‭ ‬رقة‭ ‬زوج‭/ ‬ـة،‭ ‬أو‭ ‬دعوة‭ ‬جد،‭ ‬أو‭ ‬يد‭ ‬أخ‭ ‬تمتد‭ ‬إليك،‭ ‬وصديق‭ ‬تجده‭ ‬كلما‭ ‬احتجته،‭ ‬أليس‭ ‬كذلك؟‭ ‬أم‭ ‬نسيتم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬تقدمه‭ ‬الحياة،‭ ‬أو‭ ‬لعلّكم‭ ‬اختزلتم‭ ‬أو‭ ‬اختصرتم‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬مادياتها‭ ‬فقط؟‭!‬

الله‭ ‬تعالى‭ ‬جميل‭ ‬يُحب‭ ‬الجمال،‭ ‬لذلك؛‭ ‬فالإحساس‭ ‬به،‭ ‬سمة‭ ‬المؤمنين؛‭ ‬الأنقياء،‭ ‬الذين‭ ‬يتزينون‭ ‬بحلاوة‭ ‬الأخلاق؛‭ ‬فتراهم‭ ‬دون‭ ‬غيرهم،‭ ‬يرون‭ ‬الجمال‭ ‬بوضوح‭ ‬شديد،‭ ‬وعدسات‭ ‬مكبرة‭... ‬أفلا‭ ‬نطمع‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬مثلهم‭!.‬