في الخطيئة الراسخة (2)

| علي نون

كانت‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬شرارة‭ ‬تحوّلات‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬الانحدار‭ ‬العربي‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مشعشعًا‭ ‬أصلًا‭ ‬جرّاء‭ ‬تردّي‭ ‬محاولات‭ ‬تسوية‭ ‬النزاع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬غير‭ ‬عادلة‭ ‬وتعكس‭ ‬دوام‭ ‬ميلان‭ ‬الدفّة‭ ‬المؤثرة،‭ ‬دوليًا‭ (‬وأميركيًا‭) ‬صوب‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي‭.. ‬واستمرار‭ ‬ادّعاء‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬شيء‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التسوية‭ ‬التي‭ ‬تُعطي‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬التاريخية،‭ ‬وتعيد‭ ‬إليهم‭ ‬الاعتبار‭ ‬والاعتراف‭ ‬بأنهم‭ ‬ضحايا‭ ‬وليسوا‭ ‬إرهابيين،‭ ‬وشعب‭ ‬تام‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬لاجئين‭!‬

الانكسار‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬هذه‭ ‬المحاولة‭ ‬دلّ‭ ‬في‭ ‬الإجمال‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الجانب‭ ‬العربي‭ ‬“أضعف”‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬حتى‭ ‬مسودة‭ ‬مشروع‭ ‬تسوية‭ ‬تليق‭ ‬بوصفها،‭ ‬وأعجز‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُنتج‭ ‬موقفًا‭ ‬إجماعيًا‭ ‬يُؤخذ‭ ‬دوليًا‭ ‬وأميركيًا‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجدّ‭ ‬والتأثير‭.‬

ثمّ‭ ‬“توّج”‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬انكسار‭ ‬الميزان،‭ ‬وشرع‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬أخطر‭ ‬السياسات‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الأميركي‭ ‬الحديث،‭ ‬وفي‭ ‬خلفية‭ ‬موقفه‭ ‬كانت‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬جاثمة‭ ‬بكل‭ ‬وطأتها‭ ‬باعتبارها‭ ‬نتاج‭ ‬“فكر”‭ ‬إسلامي‭ ‬أكثري‭ ‬ذاتي‭ ‬الدفع،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أية‭ ‬مقوّمات‭ ‬أو‭ ‬مسوّغات‭ ‬تتّصل‭ ‬بتراكم‭ ‬أشياء‭ ‬النكبة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬وانعدام‭ ‬العدل‭ ‬فيها‭!‬‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المراجعة‭ ‬الذاتية‭ (‬الأميركية‭) ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لتفضي‭ ‬مثلًا‭ ‬إلى‭ ‬ملاحظة‭ ‬تشجيع‭ ‬أو‭ ‬دعم‭ ‬حركات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬القوميين‭ ‬واليساريين‭ ‬العرب‭ ‬قبل‭ ‬أفغانستان،‭ ‬ثمّ‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬“السوفيات”‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬نفسها‭!‬

وخطورة‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬اختصاريًا‭ ‬ولا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬الأمور‭ ‬إلا‭ ‬بعين‭ ‬واحدة‭.. ‬مع‭ ‬أن‭ ‬“الإرهاب”‭ ‬حسب‭ ‬التوصيف‭ ‬الأميركي،‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬الإيرانيين‭ ‬وأتباعهم،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬“القاعدة”‭ ‬ومثيلاتها‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬تتمتّع‭ ‬بتوصيف‭ ‬“المجاهدين”‭! ‬

ثمّ‭ ‬ركّب‭ ‬خلفية‭ ‬سياسته‭ ‬هذه‭ ‬على‭ ‬مُعطى‭ ‬انتهازي‭ ‬حسّاس‭ ‬وخطير‭ ‬هو‭ ‬الضرورة‭ ‬الحتمية‭ ‬لاحتواء‭ ‬المشروع‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬بأية‭ ‬طريقة‭ ‬ممكنة،‭ ‬باستثناء‭ ‬الطريقة‭ ‬الصدامية‭ ‬العسكرية‭ ‬المباشرة‭.‬

“رأت”‭ ‬إيران‭ ‬المشهد‭ ‬بكليته‭ ‬وقرّرت‭ ‬أن‭ ‬الفرصة‭ ‬القائمة‭ ‬للانقضاض‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تُفوَّت‭! ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬الماسّية‭ ‬للشروع‭ ‬في‭ ‬تصفية‭ ‬الحسابات‭ ‬العالقة‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬الإسلام‭! ‬وباسم‭ ‬الإسلام‭ ‬وقضايا‭ ‬شعوبه‭! ‬ثم‭ ‬للشروع‭ ‬في‭ ‬مراكمة‭ ‬أوراق‭ ‬النفوذ‭ ‬وتوظيفها‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬المزدوج‭: ‬الداخلي‭ ‬لتمتين‭ ‬سيطرة‭ ‬النظام‭ ‬وإطفاء‭ ‬أية‭ ‬جدلية‭ ‬تتّصل‭ ‬باستمرار‭ ‬“الثورة”‭ ‬رغم‭ ‬انتهاء‭ ‬أسبابها‭! ‬والخارجي‭ ‬لإحياء‭ ‬إرث‭ ‬الشاه‭ ‬الخاص‭ ‬بدور‭ ‬الشرطي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬شيئًا‭ ‬آخر‭ ‬سوى‭ ‬الدور‭ ‬القطبي‭ ‬والمحوري‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬“الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭!‬”‭. ‬“المستقبل”‭.‬