الحرب الخفية

| مؤنس المردي

الكمال‭ ‬لله‭ ‬وحده،‭ ‬والمدينة‭ ‬الفاضلة‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المثاليات‭ ‬والتنظيرات‭ ‬والخيالات،‭ ‬فالواقع‭ ‬بأي‭ ‬دولة‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬يحمل‭ ‬صورا‭ ‬شتى‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬والسلبي‭ ‬والإيجابي،‭ ‬فهذا‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬المسلَّم‭ ‬بها‭ ‬بكل‭ ‬مجتمع‭ ‬وكل‭ ‬دولة‭.‬

ولكن‭ ‬تبقى‭ ‬الحرية‭ ‬المسؤولة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬والكلمة‭ ‬الموضوعية‭ ‬الهادفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المفكرين‭ ‬والمثقفين،‭ ‬والنقد‭ ‬البناء‭ ‬من‭ ‬الصحافة‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أدوات‭ ‬مهمة‭ ‬وقوى‭ ‬إستراتيجية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬وتقويم‭ ‬الجوانب‭ ‬والمظاهر‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الأصعدة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسلوكية،‭ ‬وغيرها‭.‬

غير‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬نلاحظ‭ ‬وكأننا‭ ‬نواجه‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعتبرها‭ ‬حربا‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬لسلاح‭ ‬خطير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انحرفت‭ - ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مستخدميها‭ - ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬جادة‭ ‬الصواب،‭ ‬وانحازت‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الإحباط‭ ‬والتشكيك‭ ‬والتخويف،‭ ‬وباتت‭ ‬تستهدف‭ ‬ثوابت‭ ‬المجتمع‭ ‬وأركانه‭ ‬ودعائمه‭ ‬المادية‭ ‬ومنظومته‭ ‬القيمية‭ ‬والأخلاقية‭.‬

جانب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تبث‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬وللأسف‭ ‬الشديد‭ ‬يحمل‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬بصور‭ ‬تعبيرية‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬النكات‭ ‬السمجة‭ ‬والساذجة،‭ ‬والرسائل‭ ‬والعبارات‭ ‬المحبطة‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬هذا‭ ‬المواطن؛‭ ‬بهدف‭ ‬خلق‭ ‬صورة‭ ‬نمطية‭ ‬سلبية‭ ‬وسيئة‭ ‬عن‭ ‬المواطن‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للمراقب‭ ‬والقارئ‭ ‬خارج‭ ‬المملكة،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لأبنائنا‭ ‬وشبابنا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬انعزال‭ ‬المواطن‭ ‬عن‭ ‬واقعه‭ ‬وتكريس‭ ‬إحباطه‭.‬

وهناك‭ ‬نموذج‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تلعب‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬حساس‭ ‬وخطير،‭ ‬وهو‭ ‬التشكيك‭ ‬بالأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التخويف‭ ‬والتهويل‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭ ‬يحدث‭ ‬مع‭ ‬إقحام‭ ‬جنسيات‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع؛‭ ‬لتشويه‭ ‬سمعة‭ ‬جنسية‭ ‬بعينها،‭ ‬وزرع‭ ‬الشك‭ ‬والخوف‭ ‬والفرقة‭.‬

بينما‭ ‬هناك‭ ‬نموذج‭ ‬ثالث‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لتخريب‭ ‬العلاقات‭ ‬المجتمعية‭ ‬وضرب‭ ‬اللحمة‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التشهير‭ ‬بأشخاص‭ ‬واتهامهم‭ ‬بأبشع‭ ‬الاتهامات،‭ ‬والحط‭ ‬من‭ ‬سمعتهم‭ ‬وسمعة‭ ‬عائلاتهم‭ ‬تحت‭ ‬دعاوى‭ ‬ظاهرها‭ ‬الإصلاح‭ ‬والكشف‭ ‬عن‭ ‬الفساد،‭ ‬وباطنها‭ ‬هو‭ ‬تفريق‭ ‬المجتمع‭ ‬وزرع‭ ‬التشكيك‭ ‬فيه‭.‬

ما‭ ‬نتحدث‭ ‬عنه‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يخص‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬بصورة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬وبدرجات‭ ‬متفاوتة‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬خليجية‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬السعودية‭ ‬والكويت،‭ ‬وغيرهما،‭ ‬فالأمر‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬ظاهرة‭ ‬تدفعنا‭ ‬للتساؤل‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مخطط‭ ‬أكبر‭ ‬لتفكيك‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬يتم‭ ‬الإعداد‭ ‬لسيناريو‭ ‬جديد‭ ‬وفصل‭ ‬ثان‭ ‬لما‭ ‬سمي‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي،‭ ‬وغير‭ ‬خاف‭ ‬عنا‭ ‬ما‭ ‬حمله‭ ‬هذا‭ ‬الربيع‭ ‬الأسود‭ ‬من‭ ‬مآس‭ ‬وفظائع‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية،‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬الفكاك‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬التغلب‭ ‬عليها‭ ‬وتجاوزها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

ولأن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الخفية‭ ‬معقدة‭ ‬في‭ ‬أدواتها‭ ‬وخطيرة‭ ‬في‭ ‬أهدافها،‭ ‬فإن‭ ‬التصدي‭ ‬لها‭ ‬ومواجهتها‭ ‬هو‭ ‬ضرورة‭ ‬مجتمعية‭ ‬ومهمة‭ ‬قومية‭ ‬عاجلة‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬أي‭ ‬تهاون‭ ‬أو‭ ‬تراخ،‭ ‬وتستدعي‭ ‬تكاتف‭ ‬كافة‭ ‬الجهود‭ ‬وتضافرها،‭ ‬وتوجب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬دراستها‭ ‬بما‭ ‬يؤدي‭ ‬لمعرفة‭ ‬“الجاني”‭ ‬أو‭ ‬“الجناة”‭ ‬والفرق‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬اختلاق‭ ‬الأخبار‭ ‬ونشر‭ ‬السموم‭ ‬وبث‭ ‬الفتن‭ ‬والشائعات‭ ‬وشق‭ ‬الصف،‭ ‬ومعرفة‭ ‬المستفيد‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬لإضعاف‭ ‬مجتمعنا‭ ‬وهدم‭ ‬بنيانه،‭ ‬وزرع‭ ‬الإحباط‭ ‬والخوف‭ ‬فيه‭.‬

مثل‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الموحد‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬الخفية‭ ‬علينا‭ ‬يبقى‭ ‬هو‭ ‬الخيار‭ ‬الضامن‭ ‬لبقاء‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬قوية‭ ‬بثوابتها‭ ‬وقيمها‭ ‬وأخلاقها‭ ‬ولحمتها،‭ ‬ووقوفها‭ ‬صفا‭ ‬واحدا‭ ‬خلف‭ ‬قيادتها‭ ‬ومواصلة‭ ‬منجزاتها‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الأصعدة‭.‬