في الخطيئة الراسخة (1)

| علي نون

لم‭ ‬يتغيّر‭ ‬الحال‭ ‬الإيراني‭ ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬آيل‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬التغيير،‭ ‬أقله‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬المنظور‭ ‬تبعاً‭ ‬لاعتبارات‭ ‬السلطة‭ ‬وتركيبتها‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬أولاً‭ ‬وأساساً،‭ ‬ثمّ‭ ‬تبعاً‭ ‬للاستنفار‭ ‬التام‭ ‬الذي‭ ‬تفرضه‭ ‬الحرب‭ ‬الفاترة‭ ‬الدائرة‭ ‬رحاها‭ ‬مع‭ ‬الأميركيين‭ ‬برئاسة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭.‬

وهذه‭ ‬الحرب‭ ‬فيها‭ ‬كرٌّ‭ ‬وفرٌّ،‭ ‬لكن‭ ‬شروطها‭ ‬تستدعي‭ ‬التمسّك‭ ‬بكل‭ ‬أوراق‭ ‬“القوّة‭ ‬المُفترضة”‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬حسابات‭ ‬أحد‭ ‬طرَفيها،‭ ‬أي‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الراهنة،‭ ‬تذهب‭ ‬باتجاه‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تفاديها‭ ‬أو‭ ‬استيعابها‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أسلم‭ ‬وأحسن‭!‬

هذه‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬تريدها‭ ‬إيران‭ ‬لكنها‭ ‬وصلت‭ ‬إليها‭ ‬بأدائها‭ ‬ونهجها،‭ ‬وأوصلت‭ ‬الهاجمين‭ ‬عليها‭ ‬إلى‭ ‬زاوية‭ ‬مقفلة‭ ‬لا‭ ‬مخرج‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬بالمواجهة،‭ ‬راهنت‭ ‬طويلاً‭ ‬على‭ ‬إتعاب‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعتماد‭ ‬تكتيكات‭ ‬غير‭ ‬سوية‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬أساءت‭ ‬تقدير‭ ‬الأمر‭ ‬استراتيجياً‭ ‬واصطدمت‭ ‬بالحائط‭.‬

في‭ ‬بعض‭ ‬النصوص‭ ‬المستعادة‭ ‬تذكير‭ ‬ببعض‭ ‬تلك‭ ‬التفاصيل‭ ‬الأدائية‭ ‬تبعاً‭ ‬لدوام‭ ‬الحال‭.‬

كان‭ ‬الأمر‭ ‬مسألة‭ ‬وقت‭ ‬فقط‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬مشروع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الزاوية‭ ‬المقفلة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬شيئاً‭ ‬آخر‭ ‬سوى‭ ‬الاصطدام‭ ‬بالحائط‭ ‬والفشل‭ ‬في‭ ‬اختراقه‭.‬

وكان‭ ‬الأمر‭ ‬مسألة‭ ‬وقت‭ ‬فقط،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬قانون‭ ‬البقاء‭ ‬مداه،‭ ‬حيث‭ ‬لكل‭ ‬فعل‭ ‬ردّ‭ ‬فعل‭ ‬موازٍ،‭ ‬وحيث‭ ‬يستحيل‭ ‬“الاستمرار”‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬انكسار‭ ‬ذلك‭ ‬المبدأ‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬دوام‭ ‬لعبة‭ ‬التهدئة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التوتير،‭ ‬والاستيعاب‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الهجوم،‭ ‬والرهان‭ ‬على‭ ‬صمود‭ ‬“المشتركات”‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬مَن‭ ‬ينفيها‭ ‬لصالح‭ ‬الفرادة‭ ‬المدّعاة‭ ‬أو‭ ‬الخصوصية‭ ‬المفترضة‭ ‬أو‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬الاختلاف‭ ‬“المذهبي‭ ‬أساساً‭!‬”‭.‬

استطرد‭ ‬أصحاب‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬“اجتهاداتهم”‭! ‬وافترضوا‭ ‬شيئاً‭ ‬قريباً‭ ‬من‭ ‬الوهم‭: ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الوهن‭ ‬العراقي،‭ ‬و”التواضع”‭ ‬اليمني،‭ ‬والتعدّد‭ ‬اللبناني،‭ ‬والانهيار‭ ‬السوري‭. ‬وفي‭ ‬الافتراض‭ ‬العمومي،‭ ‬بأن‭ ‬الجانب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬جملته‭ ‬يمرّ‭ ‬بأصعب‭ ‬مراحله‭ ‬وأكثرها‭ ‬هرياناً،‭ ‬وأن‭ ‬الانتفاضات‭ ‬والثورات‭ ‬التي‭ ‬سُمِّيت‭ ‬ربيعاً‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬الخلاصة،‭ ‬سوى‭ ‬فرصة‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬انتهازها‭ ‬والبناء‭ ‬عليها‭ ‬والتوظيف‭ ‬في‭ ‬تفاصيلها‭ ‬وراهنها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الوضعية‭ ‬المستجدّة‭ ‬طاولت‭ ‬مصر‭ ‬المؤثرة‭ ‬والمركزية‭ ‬والكبيرة‭. ‬مثلما‭ ‬طالت‭ ‬ليبيا‭ ‬وتونس‭ ‬“البعيدة”،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬المثال‭ ‬العراقي‭ ‬أول‭ ‬عناوين‭ ‬السقوط‭ ‬وأخطرها‭. ‬“المستقبل”‭.‬