ستة على ستة

إصلاح المنظمات الدولية

| عطا السيد الشعراوي

في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2013م‭ ‬بعثت‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬رسالة‭ ‬دولية‭ ‬قوية‭ ‬عندما‭ ‬أعلنت‭ ‬اعتذارها‭ ‬عن‭ ‬شغل‭ ‬مقعد‭ ‬غير‭ ‬دائم‭ ‬من‭ ‬مقاعد‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬بعد‭ ‬اختيارها‭ ‬لتشغل‭ ‬المقعد‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تاريخها،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬“ازدواجية‭ ‬المعايير”‭ ‬والتي‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬قيام‭ ‬المجلس‭ ‬بدوره‭ ‬وتحمل‭ ‬مسؤولياته‭ ‬تجاه‭ ‬حفظ‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليين‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المؤثرة‭ ‬على‭ ‬الساحتين‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭: ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والنزاع‭ ‬السوري‭ ‬وأسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬أول‭ ‬موقف‭ ‬عربي‭ ‬قوي‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الانتقادات‭ ‬النظرية‭ ‬والتصريحات‭ ‬إلى‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬العملية‭ ‬باتجاه‭ ‬تغيير‭ ‬آليات‭ ‬العمل‭ ‬الدولي‭ ‬لتكون‭ ‬أكثر‭ ‬عدالة‭ ‬وموضوعية‭ ‬وتأثيرًا‭ ‬وفاعلية‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أكدته‭ ‬المندوبة‭ ‬الأميركية‭ ‬بمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬العام‭ ‬2013‭ ‬حيث‭ ‬قالت‭ ‬سمانثا‭ ‬باور‭: ‬“خلال‭ ‬العامين‭ ‬والنصف‭ ‬الماضيين‭ ‬وللأسف‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬قواعد‭ ‬عمل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬عام‭ ‬1945‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬مئات‭ ‬الأطفال‭ ‬السوريين‭ ‬أو‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة”‭.‬

وبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬جاءت‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬أنجيلا‭ ‬ميركل‭ ‬وخلال‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬بمنتجع‭ ‬دافوس‭ ‬السويسري،‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬يناير‭ ‬2019‭ ‬لتطالب‭ ‬بضرورة‭ ‬إصلاح‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تغير‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬بات‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬كما‭ ‬رأت‭ ‬أنه‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬أن‭ ‬تعكس‭ ‬الموازين‭ ‬الجديدة‭ ‬للقوى‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬أنجيلا‭ ‬ميركل‭ ‬أقرت‭ ‬بصعوبة‭ ‬القيام‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أكدت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬أهميتها‭ ‬وحذرت‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬التباطؤ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سيؤدي‭ ‬لتكوين‭ ‬مؤسسات‭ ‬موازية،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬بنك‭ ‬الاستثمار‭ ‬الآسيوي‭ ‬كقوة‭ ‬مقابلة‭ ‬للبنك‭ ‬الدولي‭.‬

الموقف‭ ‬السعودي‭ ‬هو‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬التي‭ ‬تشعر‭ ‬بمدى‭ ‬انحياز‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬ضدها‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬وعدم‭ ‬تفهمها‭ ‬المنطلقات‭ ‬الدينية‭ ‬والقيمية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬منها،‭ ‬أما‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬فهي‭ ‬تتحدث‭ ‬كمسؤولة‭ ‬عن‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬ومؤثرة‭ ‬وترغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬أقوى‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬الدولي‭ ‬وفقًا‭ ‬للمتغيرات‭ ‬والمعطيات‭ ‬الراهنة‭ ‬والتي‭ ‬تختلف‭ ‬جذريا‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭.‬