في هوامش الاستراتيجيا

| علي نون

لم‭ ‬يجد‭ ‬السفير‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬حَرَجاً‭ ‬في‭ ‬إيراد‭ ‬موقف‭ ‬بلاده‭ ‬الداعي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬“تلملم‭ ‬نفسها‭ ‬وتخرج‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة”،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يرمي‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬قفازات‭ ‬التحدّي‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬طهران‭ ‬مباشرة‭ ‬ويدعوها‭ ‬إلى‭ ‬“الانسحاب‭ ‬بسرعة”‭ ‬من‭ ‬سوريا‭.. ‬وإلا‭!‬

الفارق‭ ‬بين‭ ‬الدعوتين‭ ‬هو‭ ‬ذاته‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬الأرض‭ ‬والسماء‭ ‬والحكي‭ ‬والفعل‭... ‬نتنياهو‭ ‬يطلق‭ ‬دعوته‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬سريان‭ ‬مفاعيل‭ ‬تنفيذها‭ ‬عملياً‭ ‬والتهديد‭ ‬بتصعيد‭ ‬ذلك‭ ‬التنفيذ‭. ‬ومتابعة‭ ‬العمل‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬منع‭ ‬ترسيخ‭ ‬أو‭ ‬تثبيت‭ ‬أو‭ ‬“لبننة”‭ ‬الوجود‭ ‬والنفوذ‭ ‬الإيرانيَّين‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬“يردّ”‭ ‬الإيرانيون‭ ‬بكلام‭ ‬هوائي‭ ‬كبير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬الموضوع‭! ‬وبمتابعة‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السورية‭ ‬وفق‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ ‬القائل‭ ‬إن‭ ‬“الأعداء”‭ ‬هم‭ ‬السوريون‭ ‬وليسوا‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬وإن‭ ‬المهم‭ ‬والأهم‭ ‬هو‭ ‬تأكيد‭ ‬“الانتصار”‭ ‬عليهم‭ ‬أولاً‭ ‬وأخيراً‭!‬

والواضح‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬يُحرج‭ ‬الجماعة‭ ‬الإيرانية‭ ‬ميدانياً‭ ‬وسياسياً‭! ‬ولا‭ ‬يريد‭ ‬استيعاب‭ ‬“الرسالة”‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬أخذ‭ ‬العلم‭ ‬بها‭! ‬ولا‭ ‬استلامها،‭ ‬ولا‭ ‬التسليم‭ ‬بها‭! ‬وهي‭ ‬القائلة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وفي‭ ‬غيرها‭ ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬ساحات‭ ‬النزاع‭ ‬الفتنوي‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬أطلقته‭ ‬إيران،‭ ‬إن‭ ‬“العدو”‭ ‬الذي‭ ‬تهون‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬دحره‭ ‬كل‭ ‬الأثمان‭ ‬بشرياً‭ ‬ومادياً‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬العربي‭ ‬والمسلم‭ ‬الأكثري‭.. ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬هو‭ ‬الأَولى‭ ‬في‭ ‬أجندة‭ ‬“الجهاد”‭ ‬والسعي‭ ‬التثويري‭ ‬والتنويري‭ ‬وليس‭ ‬غيره،‭ ‬أكان‭ ‬هذا‭ ‬إسرائيلياً‭ ‬أو‭ ‬أميركياً‭ ‬أو‭ ‬أوروبياً‭ ‬أو‭ ‬روسياً‭ ‬أو‭ ‬صينياً‭.. ‬إلخ‭!‬

‭ ‬وإن‭ ‬ذلك‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬صار‭ ‬معلوماً‭ ‬ومفهوماً‭ ‬في‭ ‬دوائر‭ ‬“التفكير‭ ‬الاستراتيجي”‭ ‬الغربي‭ ‬والدولي‭ ‬في‭ ‬الإجمال،‭ ‬وفي‭ ‬المحور‭ ‬الأليف‭ ‬الأميركي‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬تحديداً‭! ‬خصوصاً،‭ (‬وخصوصاً‭ ‬جداً‭) ‬أن‭ ‬الجانب‭ ‬الممانع‭ ‬قدّم‭ ‬ويحاول‭ ‬جاهداً‭ ‬تقديم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬من‭ ‬“أدلة”‭ ‬و”شواهد”‭ ‬لتأكيد‭ ‬ذلك‭ ‬عملياً‭ ‬وفعلياً،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬اقتضت‭ ‬عدّة‭ ‬التبليغ‭ ‬والإرشاد‭ ‬والتعبئة‭ ‬اعتماد‭ ‬التوريَة‭ ‬المألوفة‭ ‬الخاصة‭ ‬بفلسطين‭ ‬وقضيّتها‭ ‬ومركزيّتها‭ ‬وأولويّتها‭!.‬

وحتى‭ ‬لو‭ ‬اقتضى‭ ‬ذلك‭ ‬استنساخ‭ ‬الأداء‭ ‬الأسدي‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬“دعم”‭ ‬المقاومة‭ ‬خارج‭ ‬أرضه‭! ‬وجعل‭ ‬منها‭ ‬ستاراً‭ ‬ناجحاً‭ ‬لتغطية‭ ‬“وظيفته”‭ ‬الفعلية‭ ‬بحماية‭ ‬“حدود”‭ ‬إسرائيل‭ ‬الواصلة‭ ‬إلى‭ ‬الجولان‭! ‬ومنع‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬أو‭ ‬مشروع‭ ‬تهديد‭ ‬عميق‭ ‬أو‭ ‬مؤثر‭ ‬لها‭.‬

“تقاتل”‭ ‬إيران‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أرضها،‭ ‬ولا‭ ‬تتردّد‭ ‬في‭ ‬الانصياع‭ ‬لموجبات‭ ‬طمأنة‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬بقاء‭ ‬“أرضها”‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الاستهداف‭.. ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬اقتضى‭ ‬ذلك‭ ‬التطنيش‭ ‬عن‭ ‬عشرات‭ ‬الغارات‭ ‬الجوية‭ ‬على‭ ‬مواقعها‭ ‬ومخازنها‭ ‬وقوافلها‭ ‬السلاحية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬و”القبول”‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إعلان،‭ ‬بطلب‭ ‬عدم‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬الجولان‭! ‬ثم‭ ‬بالمعنى‭ ‬التعبوي،‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬شعارات‭ ‬“الإمحاء”‭ ‬و”الغدّة‭ ‬السرطانية”‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مفردات‭ ‬وتهديدات‭ ‬وعنتريات‭ ‬بقيت‭ ‬مشلوحة‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحطّ‭ ‬ولا‭ ‬مرّة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬أرض‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬واقع‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬“معركة”‭.‬”المستقبل”‭.‬