وَخْـزَةُ حُب

المستقبل الذي نجري خلفه!

| د. زهرة حرم

لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬هوس‭ ‬غريب‭ ‬من‭ ‬نوعه؛‭ ‬لمعرفة‭ ‬ما‭ ‬سيحصل‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالفرد‭ ‬أم‭ ‬الدول‭ ‬والعالم،‭ ‬لذلك‭ ‬تجدهم‭ ‬يبحثون‭ ‬عمّا‭ ‬يكشف‭ ‬لهم‭ ‬شيئًا‭ ‬منه،‭ ‬وبمختلف‭ ‬الوسائل‭ ‬والسبل؛‭ ‬تراهم‭ ‬يسعون‭ ‬وراء‭ ‬قارئي‭ ‬الفناجين،‭ ‬والودع،‭ ‬ومحضري‭ ‬الجن‭ ‬والعفاريت،‭ ‬ومَن‭ ‬يُسمون‭ ‬أنفسهم‭ ‬علماء‭ ‬الأبراج،‭ ‬والقليل‭ ‬منهم‭ ‬يُجهد‭ ‬عقله‭ ‬بقراءة‭ ‬التحليلات‭ ‬العقلية‭ ‬التي‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬نظريات‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة؛‭ ‬لاستبطان‭ ‬واستكشاف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ممكن‭ ‬الحدوث‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬

إذًا؛‭ ‬المستقبل‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل‭ ‬الذي‭ ‬يحوم‭ ‬في‭ ‬أذهاننا؛‭ ‬كيف‭ ‬سيكون؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬مواقعنا‭ ‬فيه؟‭ ‬ما‭ ‬مصيرنا؟‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬خواتيم‭ ‬أعمارنا؟‭ ‬وأسئلة‭ ‬شخصية‭ ‬كثيرة‭ ‬تتعلق‭ ‬بكل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭! ‬ولأن‭ ‬المستقبل‭ ‬داخل‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الغيب؛‭ ‬ولأن‭ ‬صفته‭ ‬الأساسية‭ ‬القارّة‭ ‬والمستقرة‭ ‬هي‭ ‬المجهول؛‭ ‬فسيظل‭ ‬محفوفًا‭ ‬بالتخوّف‭ ‬والقلق،‭ ‬والانتظار‭ ‬والترقٌّب،‭ ‬وهذا‭ ‬طبع‭ ‬فينا‭ ‬نحن‭ ‬البشر؛‭ ‬فما‭ ‬يخفى‭ ‬أو‭ ‬يستتر‭ ‬عنا‭ ‬–‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ - ‬غير‭ ‬آمن‭ ‬بالضرورة،‭ ‬وغير‭ ‬معروف‭ ‬الشكل‭ ‬والهوية؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم؛‭ ‬فهو‭ ‬غير‭ ‬مريح‭ ‬بالنسبة‭ ‬لدينا‭.‬

نحن‭ ‬مع‭ ‬المستقبل‭ ‬المجهول،‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬جميلًا‭ ‬ورائعا‭ ‬أو‭ ‬مزعجًا‭ ‬وغير‭ ‬سار‭ ‬أمام‭ ‬خيارين؛‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬ننتظره‭ ‬بوصفه‭ ‬قدرنا‭ ‬القادم،‭ ‬وقضاءنا‭ ‬الإلهي‭ ‬المُنزل؛‭ ‬فنصطبر‭ ‬عليه،‭ ‬ونتعامل‭ ‬معه‭ ‬كواقع‭ ‬آتٍ‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬أو‭ ‬نلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الطرق‭ ‬الملتوية‭ ‬في‭ ‬استكناه‭ ‬أو‭ ‬اكتشاف‭ ‬المستقبل‭ ‬قبل‭ ‬حصوله؛‭ ‬فنبحث‭ ‬عن‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها؛‭ ‬ونصرف‭ ‬الأموال،‭ ‬وربما‭ ‬نقدم‭ ‬القرابين‭ ‬والأضحيات،‭ ‬وغيرها،‭ ‬وفي‭ ‬الحالتين؛‭ ‬عيوننا‭ ‬متوجهة،‭ ‬شاخصة،‭ ‬مترقبة‭ ‬لهذا‭ ‬المستقبل‭ ‬الآتي‭.‬

لماذا‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬ظنكم؟‭ ‬أليس‭ ‬لأن‭ ‬الزمن‭ ‬الماضي‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬المعروف‭ ‬والمألوف‭! ‬أليس‭ ‬لأن‭ ‬الحاضر‭ ‬أضحى‭ ‬في‭ ‬قبضتنا‭ ‬وملك‭ ‬أيدينا‭! ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬لسبب‭ ‬رئيسي‭ ‬ومهم‭ ‬جدا‭ ‬هو‭ ‬السيطرة‭! ‬

لا‭ ‬يرتاح‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬لذلك‭ ‬نراه‭ ‬يسعى‭ ‬بشتى‭ ‬السبل‭ ‬لمعرفة‭ ‬طبيعة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحن‭ ‬أوانه‭ ‬بعد،‭ ‬وهو‭ ‬المستقبل؛‭ ‬كيف‭ ‬يُحكم‭ ‬الإمساك‭ ‬به،‭ ‬لكيلا‭ ‬تفلت‭ ‬المسائل‭ ‬من‭ ‬يديه‭! ‬وما‭ ‬علم‭ ‬التنبؤ،‭ ‬والماورائيات،‭ ‬والميتافيزيقيا،‭ ‬وعلم‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬الجسد،‭ ‬وكتابات‭ ‬وأفلام‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭... ‬إلا‭ ‬وسيلته‭ ‬المُستميتة‭ ‬في‭ ‬تطويع‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر،‭ ‬وما‭ ‬تلك‭ ‬إلا‭ ‬طريقته‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬استُخلف‭ ‬عليه؛‭ ‬الأرض‭!‬

وما‭ ‬قصص‭ ‬الانتظار،‭ ‬ومراراته،‭ ‬إلا‭ ‬ترجمة‭ ‬حرفية‭ ‬لماهية‭ ‬أو‭ ‬فكرة‭ ‬المستقبل‭ ‬المجهول؛‭ ‬فحين‭ ‬تنتظر‭ ‬–‭ ‬أيًا‭ ‬يكون‭ ‬موضوع‭ ‬الانتظار‭ ‬–‭ ‬ستعيش‭ ‬أثناءها‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الغموض؛‭ ‬سببها‭ ‬جهلك‭ ‬ما‭ ‬سيأتيك‭.‬

لذلك‭ ‬حين‭ ‬تلجأ‭ ‬لتلك‭ ‬الوسائل؛‭ ‬فردًا‭ ‬كنت‭ ‬أم‭ ‬جماعة؛‭ ‬لاستحضار‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحضر‭ ‬بعد؛‭ ‬فإنك‭ ‬تكون‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬هدف‭ ‬وحيد‭ ‬هو‭ ‬التأكد‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬ستأتيك‭ ‬به‭ ‬الأيام‭ ‬مريحًا‭! ‬أليس‭ ‬كذلك؟‭.‬