ريشة في الهواء

محتالون في الوظائف... وخريجون عاطلون

| أحمد جمعة

“ليس‭ ‬أخطر‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬المكر‭ ‬والحكمة”‭... ‬فرانسيس‭ ‬بيكون‭.‬

إن‭ ‬تطور‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬ونموه‭ ‬وازدهاره‭ ‬مرهون‭ ‬بمدى‭ ‬تطبيق‭ ‬مبادئ‭ ‬الحق‭ ‬وإرساء‭ ‬قواعد‭ ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬أبنائه،‭ ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬ظاهرة‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬الظواهر‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬مجتمعنا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بسياسة‭ ‬العمل‭ ‬والتوظيف‭ ‬والكفاءات‭ ‬ووضع‭ ‬الموظف‭ ‬المناسب‭ ‬بالمكان‭ ‬المناسب‭ ‬وبالشهادة‭ ‬والخبرة‭ ‬المناسبتين،‭ ‬والمفارقة‭ ‬الموجعة‭ ‬حقاً‭ ‬والتي‭ ‬تكشف‭ ‬خللاً‭ ‬بنظام‭ ‬العمل‭ ‬عندنا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬بأجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬والقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وُظفوا‭ ‬بشهادات‭ ‬مزورة،‭ ‬وقد‭ ‬انكشفت‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬بعد‭ ‬توجيه‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬بضرورة‭ ‬معالجة‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬الخطيرة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬عنيته‭ ‬بالمفارقة‭ ‬بالطرف‭ ‬الثاني‭ ‬تقف‭ ‬طوابير‭ ‬من‭ ‬الخريجين‭ ‬بكل‭ ‬التخصصات‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬والتحصيل‭ ‬العلمي‭ ‬الحقيقي،‭ ‬فبينما‭ ‬يحتل‭ ‬مراكز‭ ‬العمل‭ ‬موظفون‭ ‬ومسؤولون‭ ‬بشهادات‭ ‬مزورة‭ ‬دون‭ ‬حق،‭ ‬يقف‭ ‬بالجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬خريجون‭ ‬حقيقيون‭ ‬بذلوا‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬والمال‭ ‬والتحصيل‭ ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬مرهقة،‭ ‬عاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬فأين‭ ‬الحق‭ ‬بذلك؟‭ ‬أين‭ ‬العدالة‭ ‬بوجود‭ ‬محتالين‭ ‬بالوظائف‭ ‬العامة‭ ‬ومن‭ ‬يعاني‭ ‬البطالة‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أحق‭ ‬بهذه‭ ‬الوظائف؟

هذا‭ ‬الخلل‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لمعالجته‭ ‬بحسم‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬التراخي‭ ‬والتساهل‭ ‬والانتظار،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬محرجاً‭ ‬لبعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬والدوائر‭ ‬والوزارات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬توجيه‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬واضح‭ ‬وصارم‭ ‬وعلى‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬التحرك‭ ‬بسرعة‭ ‬وفعالية‭ ‬ودون‭ ‬مجاملة‭ ‬أو‭ ‬تراخ‭ ‬بنزع‭ ‬الوظيفة‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يستحقها‭ ‬وأخذها‭ ‬بالتزوير‭ ‬والاحتيال‭ ‬ومنحها‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬أفنوا‭ ‬حياتهم‭ ‬بالتحصيل‭ ‬العلمي‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يحملون‭ ‬شهادات‭ ‬الماجستير‭ ‬والدكتوراه،‭ ‬بالإضافة‭ ‬للمئات‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬شهادة‭ ‬البكالوريوس،‭ ‬أكثرهم‭ ‬متفوقون‭ ‬ومتحمسون‭ ‬للعمل‭ ‬وخدمة‭ ‬مجتمعهم،‭ ‬لكنهم‭ ‬للأسف‭ ‬فقدوا‭ ‬حماسهم‭ ‬بل‭ ‬فقدوا‭ ‬ثقتهم‭ ‬بنظام‭ ‬العمل،‭ ‬وعلى‭ ‬وشك‭ ‬فقدان‭ ‬ثقتهم‭ ‬بالدولة‭ ‬التي‭ ‬افترضوا‭ ‬أنهم‭ ‬جاءوا‭ ‬لخدمتها‭ ‬فأنكرت‭ ‬عليهم‭ ‬هذا‭ ‬الحق،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬رأيي‭ ‬أنا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬رأيهم‭ ‬يبدونه‭ ‬بمرارة‭ ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬تخرجهم‭.‬

من‭ ‬المؤلم‭ ‬ألا‭ ‬نشعر‭ ‬بهذه‭ ‬المرارة‭ ‬تجاههم،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬قضوا‭ ‬سنوات‭ ‬الدراسة‭ ‬وفازوا‭ ‬بالنجاح‭ ‬والتخرج‭ ‬وأملوا‭ ‬أن‭ ‬يحتلوا‭ ‬مكانهم‭ ‬بالعمل‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق،‭ ‬بينما‭ ‬يحتل‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬مزوري‭ ‬الشهادات‭ ‬والمحتالين‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬هم‭ ‬أحق‭ ‬بها‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الظلم‭ ‬وحان‭ ‬الوقت‭ ‬لمعالجة‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬المظلم‭.‬

تنويرة‭: ‬

عندما‭ ‬تبدأ‭ ‬حرباً‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬إنهاءها‭ ‬فقد‭ ‬خسرتها‭.‬