سوالف

مرض إداري مخيف أصاب الموظفين الحكوميين

| أسامة الماجد

ظاهرة‭ ‬غريبة‭ ‬بدأت‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الوزارات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬وهي‭ ‬انفصال‭ ‬بعض‭ ‬الموظفين‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬وانشغالهم‭ ‬بمصالحهم‭ ‬الشخصية،‭ ‬يهتمون‭ ‬بأنفسهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اهتمامهم‭ ‬بالمراجعين‭ ‬والناس‭ ‬الذين‭ ‬يخدمونهم،‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الموظفين‭ ‬يشكون‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬مما‭ ‬يعانونه‭ ‬حين‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬الأجهزة‭ ‬الحكومية‭ ‬الأخرى،‭ ‬فهم‭ ‬كباقي‭ ‬المواطنين‭ ‬لهم‭ ‬مصالح‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الوزارات‭ ‬“التربية،‭ ‬الصحة،‭ ‬الإعلام،‭ ‬البلديات،‭ ‬المرور‭... ‬وإلخ”‭ ‬وهم‭ ‬مثلهم‭ ‬–‭ ‬لفة‭ ‬طويلة‭ ‬وعريضة‭- ‬لكي‭ ‬يقضون‭ ‬هذه‭ ‬المصالح،‭ ‬لكنهم‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يجلسون‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬مكاتبهم‭ ‬يبدأون‭ ‬معاملة‭ ‬الناس‭ ‬والمراجعين‭ ‬في‭ ‬دوائرهم‭ ‬بنفس‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬يشتكون‭ ‬منه،‭ ‬فهم‭ ‬يتعنتون‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬ويتهربون‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬ويختلقون‭ ‬الأسباب‭ ‬لتعطيل‭ ‬مصالح‭ ‬الناس‭ ‬وتسيطر‭ ‬عليهم‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬فكرة‭ ‬أنهم‭ ‬“الحكومة”‭ ‬وأنهم‭ ‬فوق‭ ‬المراجعين‭.‬

شاهدت‭ ‬بالصدفة‭ ‬رجلا‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الدوائر‭ ‬الرسمية‭ ‬يريد‭ ‬تخليص‭ ‬معاملة،‭ ‬وما‭ ‬لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬إليه‭ ‬دخوله‭ ‬في‭ ‬“سين‭ ‬جيم”‭ ‬مع‭ ‬الموظف‭ ‬ورغبته‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬المعاملة‭ ‬بأسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭ ‬وشكواه‭ ‬من‭ ‬التأخير،‭ ‬وبعد‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسابيع‭ ‬شاهدت‭ ‬نفس‭ ‬الرجل‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬عمله‭ ‬بإحدى‭ ‬الوزارات‭ ‬وهو‭ ‬يجلس‭ ‬على‭ ‬مكتبه‭ ‬فارشا‭ ‬ريشه‭ ‬كالطاووس‭ ‬ويرد‭ ‬على‭ ‬المراجعين‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أنفه‭ ‬ويبين‭ ‬لهم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬طائل‭ ‬من‭ ‬التحدث‭ ‬مع‭ ‬موظف‭ ‬غيره‭ ‬أو‭ ‬مسؤول،‭ ‬فهو‭ ‬المركز‭ ‬وهو‭ ‬المشخص‭ ‬النهائي‭ ‬لأية‭ ‬معاملة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الدائرة،‭ ‬وحينها‭ ‬أدركت‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬مأساة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬خاص‭ ‬وحوادث‭ ‬مليئة‭ ‬بالتناقضات‭ ‬ومرض‭ ‬إداري‭ ‬مخيف‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬دراسته‭ ‬بالتحليل‭ ‬ومعرفة‭ ‬مواطن‭ ‬الخلل‭. ‬

 

ماذا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نسأل‭ ‬أنفسنا‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الأرضية‭ ‬والحوافز‭ ‬التي‭ ‬أوصلت‭ ‬الموظفين‭ ‬إلى‭ ‬التصرف‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل،‭ ‬نريد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تبرير‭ ‬واحد‭ ‬لهذا‭ ‬السلوك‭ ‬الخاطئ‭ ‬الذي‭ ‬يحيط‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬تنشيط‭ ‬“الربادة‭ ‬والكسل”‭ ‬في‭ ‬الدوائر‭ ‬الرسمية،‭ ‬كيف‭ ‬لي‭ ‬كمواطن‭ ‬أولا‭ ‬وكموظف‭ ‬حكومي‭ ‬ثانيا‭ ‬أن‭ ‬أشتكي‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬الإدارية‭ ‬والبيروقراطية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجهات،‭ ‬بينما‭ ‬أقوم‭ ‬بمثلها‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬عملي؟‭ ‬أتصور‭ ‬أننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬قدرة‭ ‬خارقة‭ ‬لمعرفة‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭.‬