نهاية‭ ‬4‭ ‬ملوك‭ ‬عرب‭...‬ عندما‭ ‬انْقَضَّ‭ ‬العسكر‭ ‬على‭ ‬كراسي‭ ‬الحُكم‭...‬

| عبدالنبي الشعلة

أَعكِف‭ ‬الآن،‭ ‬وبكثافة‭ ‬شديدة،‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتقصي‭ ‬والقراءة‭ ‬والمراجعة‭ ‬والاتصال‭ ‬بمصادر‭ ‬وشخصيات‭ ‬معنية‭ ‬وذات‭ ‬علاقة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سعيي‭ ‬لكتابة‭ ‬وإصدار‭ ‬كتاب‭ ‬جديد‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬“نهاية‭ ‬أربعة‭ ‬ملوك‭ ‬عرب”،‭ ‬وهم؛‭ ‬الملك‭ ‬فاروق‭ ‬الأول‭ ‬ملك‭ ‬مصر،‭ ‬والملك‭ ‬فيصل‭ ‬الثاني‭ ‬ملك‭ ‬العراق،‭ ‬والملك‭ ‬محمد‭ ‬إدريس‭ ‬السنوسي‭ ‬ملك‭ ‬ليبيا‭ ‬والإمام‭ ‬محمد‭ ‬البدر‭ ‬ملك‭ ‬المملكة‭ ‬المتوكلية‭ ‬اليمنية‭.‬

أربعة‭ ‬ملوك‭ ‬في‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬تمت‭ ‬الإطاحة‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1952م‭ ‬حتى‭ ‬1969م‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬انقلابات‭ ‬عسكرية‭ ‬دبّرها‭ ‬وخطّط‭ ‬لها‭ ‬ونفّذها‭ ‬ضباط‭ ‬منتظمون‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية،‭ ‬برتب‭ ‬عالية،‭ ‬كانوا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بثقة‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬وكانوا‭ ‬يعملون‭ ‬وهم‭ ‬تحت‭ ‬القسم‭ ‬الذي‭ ‬أدوه‭ ‬أمام‭ ‬الله‭ ‬وأمام‭ ‬خَلْقِه،‭ ‬ذلك‭ ‬القسم‭ ‬الذي‭ ‬ناط‭ ‬بأعناقهم‭ ‬شرفًا‭ ‬رفيعًا‭ ‬ومسؤولية‭ ‬مقدسة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حياض‭ ‬وتراب‭ ‬بلدانهم‭ ‬بكل‭ ‬إخلاص‭ ‬وأمانة‭ ‬وبكل‭ ‬ولاء‭ ‬للوطن‭ ‬والملك‭ ‬والعَلَم،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬أو‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬السياسية‭ ‬للبلاد‭ ‬التي‭ ‬أوكلوا‭ ‬بمهمة‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬كما‭ ‬تُقِرُّ‭ ‬بذلك‭ ‬المواثيق‭ ‬والأعراف‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

إن‭ ‬الغرض‭ ‬الأساسي‭ ‬من‭ ‬إصدار‭ ‬الكتاب،‭ ‬وما‭ ‬نسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقه‭ ‬هو‭ ‬استنهاض‭ ‬الذاكرة،‭ ‬وإزاحة‭ ‬تراب‭ ‬النسيان‭ ‬والتناسي‭ ‬عنها‭ ‬حتى‭ ‬تظل‭ ‬مستيقظة‭ ‬وراصدة‭ ‬للنتائج‭ ‬التي‭ ‬تمخضت‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الانقلابات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تبعاتها‭ ‬وذيولها‭ ‬وإرهاصاتها‭ ‬السلبية‭ ‬تتردد‭ ‬بين‭ ‬جنباتنا،‭ ‬ولكي‭ ‬يتفادى‭ ‬جيلنا‭ ‬وأجيال‭ ‬المستقبل‭ ‬تكرار‭ ‬الأخطاء‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬العبر‭ ‬والدروس‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيصها‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬طائل‭ ‬ولا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬استعمال‭ ‬القوة،‭ ‬وبالأخص‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭.‬

إن‭ ‬مطالب‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتطوير‭ ‬السياسي‭ ‬والنمو‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬والمطالبة‭ ‬بحق‭ ‬المشاركة‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬ورسم‭ ‬طريق‭ ‬المستقبل‭ ‬للأوطان،‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬المشروعة‭ ‬والمقبولة‭ ‬بل‭ ‬والمطلوبة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيقها‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬ظهور‭ ‬الدبابات‭ ‬والمدرعات‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬فوهات‭ ‬البنادق‭ ‬والمدافع‭ ‬أو‭ ‬بقصف‭ ‬الطائرات‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬غوغاء‭ ‬الشوارع‭ ‬وإطلاق‭ ‬الفوضى‭ ‬والتخريب‭ ‬وأعمال‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬وكسر‭ ‬القوانين‭.‬

في‭ ‬رأيي،‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬هؤلاء‭ ‬العسكر‭ ‬يشكّل‭ ‬جريمة‭ ‬متكاملة‭ ‬الأركان‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬وشعوبها،‭ ‬وبما‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نتمكن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الوقفة‭ ‬القصيرة‭ ‬من‭ ‬تداول‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬وتمحيصه‭ ‬فإننا‭ ‬سنطرح،‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭ ‬نفسه،‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬الملاحظات‭ ‬والتساؤلات‭ ‬منها‭:‬

هل‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وشعوبها‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬وخراب‭ ‬وتراجع‭ ‬ناتج‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الانقلابات؟‭ ‬انظروا،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬إلى‭ ‬حال‭ ‬ليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬اليوم‭!! ‬أم‭ ‬هي‭ ‬محض‭ ‬صدفة؟‭ ‬وهل‭ ‬نريد‭ ‬لأنفسنا‭ ‬وأوطاننا‭ ‬أن‭ ‬تلقى‭ ‬المصير‭ ‬نفسه؟

وهل‭ ‬ارتكبت‭ ‬تلك‭ ‬الأنظمة‭ ‬والملوك‭ ‬التي‭ ‬أُطيح‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬سُفِكَ‭ ‬دَمها،‭ ‬الجرم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إصلاحه‭ ‬أو‭ ‬تداركه‭ ‬بالطرق‭ ‬السلمية‭ ‬حتى‭ ‬ينالوا‭ ‬ويستحقوا‭ ‬ما‭ ‬لحق‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬نكال‭ ‬وحيف‭ ‬وأذى؟‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬الملوك‭ ‬بالفعل‭ ‬فاسدين‭ ‬وفاسقين‭ ‬وخونة‭ ‬كما‭ ‬ادعى‭ ‬الانقلابيون‭ ‬أم‭ ‬انهم‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ضحايا‭ ‬الظلم‭ ‬والتجني‭ ‬والكذب‭ ‬والاتهامات‭ ‬الباطلة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها؟

هل‭ ‬خُدعت‭ ‬شعوب‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬وخُدعنا‭ ‬معهم،‭ ‬بالشعارات‭ ‬البراقة‭ ‬الرنانة‭ ‬الفضفاضة‭ ‬التي‭ ‬رفعها‭ ‬الانقلابيون؟‭ ‬وهل‭ ‬وقعت‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬وشعوبها،‭ ‬ووقعنا‭ ‬معهم،‭ ‬في‭ ‬شرك‭ ‬التزييف‭ ‬والتضليل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الانقلابيين‭ ‬الذين‭ ‬أطلقوا‭ ‬اسم‭ ‬الثورات‭ ‬على‭ ‬انقلاباتهم؟

هل‭ ‬أوفى‭ ‬الانقلابيون‭ ‬بوعودهم‭ ‬وعهودهم،‭ ‬وهل‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬مكسب‭ ‬لشعوب‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬راحت‭ ‬ضحية‭ ‬تآمرهم،‭ ‬أم‭ ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬الصحيح؟

هل‭ ‬حَنث‭ ‬الانقلابيون‭ ‬بالقسم‭ ‬الذي‭ ‬أدوه‭ ‬ونقضوا‭ ‬العهد‭ ‬وخانوا‭ ‬الأمانة‭ ‬وغدروا‭ ‬بمن‭ ‬وثقوا‭ ‬بهم‭ ‬وأقحموا‭ ‬العسكر‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول؟

وماذا‭ ‬عن‭ ‬عدالة‭ ‬السماء؟‭ ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تنس‭ ‬ولم‭ ‬تغفل‭ ‬عن‭ ‬محاسبة‭ ‬ومعاقبة‭ ‬قادة‭ ‬تلك‭ ‬الانقلابات‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬قبل‭ ‬يوم‭ ‬الحساب،‭ ‬فقد‭ ‬أُزيح‭ ‬من‭ ‬منصبه‭ ‬كرئيس‭ ‬للجمهورية،‭ ‬اللواء‭ ‬أركان‭ ‬حرب‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬قائد‭ ‬انقلاب‭ ‬23‭ ‬يوليو‭/‬‏تموز‭ ‬1952بعد‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬الانقلاب‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ووُضع‭ ‬تحت‭ ‬الإقامة‭ ‬الجبرية‭ ‬المهينة‭ ‬بأمر‭ ‬من‭ ‬معاونه‭ ‬البكباشي‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬وقُتل‭ ‬العقيد‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬قائد‭ ‬انقلاب‭ ‬الفاتح‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬1969م‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬شر‭ ‬قتلة‭ ‬شاهدها‭ ‬الملايين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬التلفزيون،‭ ‬وفي‭ ‬اليمن‭ ‬أُطيح‭ ‬بالمشير‭ ‬عبدالله‭ ‬السلال‭ ‬قائد‭ ‬انقلاب‭ ‬26‭ ‬سبتمبر‭ ‬1962م‭ ‬بطريقة‭ ‬مزرية‭ ‬وقُذِفَ‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬النسيان،‭ ‬وفي‭ ‬العراق‭ ‬نَفذ‭ ‬انقلاب‭ ‬14‭ ‬يوليو‭/‬‏تموز‭ ‬1958م‭ ‬الزعيم‭ ‬الركن‭ ‬عبدالكريم‭ ‬قاسم‭ ‬والعقيد‭ ‬الركن‭ ‬عبدالسلام‭ ‬عارف،‭ ‬وبعد‭ ‬شهرين‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬الانقلاب‭ ‬اختلف‭ ‬قائداه‭ ‬حول‭ ‬تقاسم‭ ‬الغنيمة،‭ ‬فقام‭ ‬قاسم‭ ‬بوضع‭ ‬عارف‭ ‬خلف‭ ‬قضبان‭ ‬السجن‭ ‬وحكم‭ ‬عليه‭ ‬بالإعدام‭ ‬الذي‭ ‬خُفِّفَ‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭ ‬المؤبد،‭ ‬ومن‭ ‬داخل‭ ‬السجن‭ ‬دبَّر‭ ‬عارف‭ ‬انقلابًا‭ ‬عسكريًّا‭ ‬آخر‭ ‬سمِّي‭ ‬بـ”ثورة‭ ‬14‭ ‬رمضان‭ ‬المباركة”،‭ ‬أُعدِمَ‭ ‬فيه‭ ‬قاسم‭ ‬وأعوانه‭ ‬رميًا‭ ‬بالرصاص،‭ ‬ونُبشت‭ ‬جثته‭ ‬من‭ ‬القبر‭ ‬بعد‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬دفنها‭ ‬لِيُقْذَفَ‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬جسر‭ ‬نهر‭ ‬ديالى‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬موثوقة‭ ‬بثقل‭ ‬حديدي‭ ‬لتقبع‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬النهر،‭ ‬وبعد‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬تولي‭ ‬عارف‭ ‬الحكم‭ ‬قُتِلَ‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬غامض‭ ‬عندما‭ ‬انفجرت‭ ‬به‭ ‬طائرة‭ ‬مروحية‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬الجو‭ ‬لتتناثر‭ ‬أشلاؤه‭ ‬المحترقة‭ ‬فوق‭ ‬سماء‭ ‬البصرة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬العراق،‭ ‬ثم‭ ‬توالت‭ ‬عقوبة‭ ‬بل‭ ‬لعنة‭ ‬السماء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تلاهم‭ ‬من‭ ‬حكام‭ ‬العراق‭ ‬العسكريين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اقتيد‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬إلى‭ ‬المشنقة‭ ‬ورُبِطَ‭ ‬حبلها‭ ‬حول‭ ‬رقبته‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حَلَّت‭ ‬المصيبة‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬بالغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2003م‭.‬

ونحن‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬نشاهد‭ ‬حلقات‭ ‬هذا‭ ‬المسلسل‭ ‬الحزين‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬متى‭ ‬وكيف‭ ‬ستكون‭ ‬نهايته‭.‬