مكتسبات المواطنين

| د.علي الصايغ

بدأت‭ ‬دعوات‭ ‬عدم‭ ‬الإسراف‭ ‬والإكثار‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬الشراء‭ ‬غير‭ ‬الضرورية،‭ ‬قبل‭ ‬البدء‭ ‬بتطبيق‭ ‬ضريبة‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة،‭ ‬وهي‭ ‬دعوات‭ ‬ذات‭ ‬دلالات‭ ‬عميقة،‭ ‬تتجه‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬البوصلة‭ ‬نحو‭ ‬المعايشة‭ ‬مع‭ ‬الضريبة،‭ ‬وليس‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬جذري‭ ‬للصعوبات‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭. ‬

الواقع،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الضريبة‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة؛‭ ‬التي‭ ‬اشتد‭ ‬فيها‭ ‬الوضع‭ ‬المالي‭ ‬سوءاً‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬عليه،‭ ‬وازدادت‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬المادية‭ ‬اليومية‭ ‬شرها،‭ ‬وعلى‭ ‬المواطن‭ - ‬وفقاً‭ ‬لهذه‭ ‬التداعيات‭ - ‬أن‭ ‬يتكفل‭ ‬بتصريف‭ ‬نفسه،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬كيف،‭ ‬وبأية‭ ‬طريقة،‭ ‬المهم‭ ‬أنه‭ ‬أمام‭ ‬إلزام‭ ‬إجباري‭ ‬مفروض‭ ‬عليه‭ ‬فرضاً،‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يجادل‭ ‬أو‭ ‬يناقش‭ ‬فيه،‭ ‬فما‭ ‬عليه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتكيف‭ ‬مع‭ ‬الأمر‭!‬

حتى‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬بعض‭ ‬التجار؛‭ ‬من‭ ‬التكفل‭ ‬بدفع‭ ‬الضريبة‭ ‬لفترات‭ ‬معينة،‭ ‬وما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬–‭ ‬مثلاً‭ ‬–‭ ‬تعامل‭ ‬الحكومة‭ ‬مع‭ ‬فواتير‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬بشكل‭ ‬مؤقت،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬تعتبر‭ ‬مسكنات‭ ‬مؤقتة،‭ ‬لن‭ ‬تحل‭ ‬المشكل‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬خفض‭ ‬مصروفات‭ ‬الدولة‭ ‬بشكل‭ ‬“متوازن”،‭ ‬وخلق‭ ‬مصادر‭ ‬دخل‭ ‬إضافية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬جيب‭ ‬الإنسان‭ ‬العادي‭ ‬البسيط؛‭ ‬والإجراء‭ ‬الأخير‭ ‬يتطلب‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الجاد‭ ‬والواضح‭ ‬والمتقن‭ ‬حتى‭ ‬يجني‭ ‬ثمار‭ ‬ذلك‭ ‬أبناؤنا‭ ‬مستقبلاً‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬تصريحات‭ ‬البعض‭ ‬وشعارات‭ ‬ضرورة‭ ‬عدم‭ ‬المساس‭ ‬بمكتسبات‭ ‬المواطنين‭ ‬تثير‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬السخرية،‭ ‬وما‭ ‬يتضح‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬صراحةً،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المساس‭ ‬حل‭ ‬بالفعل،‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الشعارات‭ ‬أصبحت‭ ‬مجرد‭ ‬كلام‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للتصديق‭ ‬بتاتاً‭.‬

الإشكالية‭ ‬الحقيقية‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نستطع‭ ‬تسيير‭ ‬أمورنا‭ ‬المالية‭ ‬طيلة‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التراجع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي،‭ ‬وغدونا‭ ‬نجمع‭ ‬الأموال‭ ‬من‭ ‬الناس‭ - ‬حتى‭ ‬البسطاء‭ ‬منهم‭ ‬–‭ ‬لمعالجة‭ ‬تفاقم‭ ‬المشكلة‭ ‬المالية،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬مساعٍ‭ ‬مرئية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬إيرادات‭ ‬الدولة‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭.‬

السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬نأتي‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬هل‭ ‬ستفي‭ ‬الأموال‭ ‬المتحصلة‭ ‬من‭ ‬ضريبة‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬بحل‭ ‬مشكلاتنا‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬امتدت‭ ‬فيه‭ ‬أيدينا‭ ‬إلى‭ ‬جيب‭ ‬المواطن،‭ ‬علماً‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬تعدى‭ ‬كونه‭ ‬“تعد‭ ‬على‭ ‬مكتسب”،‭ ‬بل‭ ‬تجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬بمراحل‭!.‬