وَخْـزَةُ حُب

الكلمـة... السـيف!

| د. زهرة حرم

منذ‭ ‬زمن‭ ‬قديم،‭ ‬وهناك‭ ‬موضوع‭ ‬مطروح‭ ‬للنقاش‭ ‬والجدل،‭ ‬وهو‭ ‬أيهما‭ ‬أقوى‭ ‬الكلمة‭ ‬أم‭ ‬السيف؟‭! ‬وتكون‭ ‬أغلب‭ ‬الإجابات‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬أكثر‭ ‬مضاءً‭ ‬وأشد‭ ‬تأثيرا‭ ‬من‭ ‬السيف‭ ‬أو‭ ‬العنف،‭ ‬ويتم‭ ‬سرد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الكلمة‭ ‬وأنها‭ ‬أكثر‭ ‬حِجيّة‭ ‬أو‭ ‬إقناعًا؛‭ ‬بوصفها‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭ ‬والمنطق،‭ ‬بعكس‭ ‬العنف؛‭ ‬الذي‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬التعصب‭ ‬وغياب‭ ‬الحكمة‭ ‬أو‭ ‬التعقل‭!‬

في‭ ‬الواقع؛‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬محطة‭ ‬مشحونة‭ ‬بالجدل،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬والشواهد؛‭ ‬تثبت‭ ‬قوة‭ ‬الكلمة‭ ‬أو‭ ‬سحرها‭ ‬النفّاذ؛‭ ‬وكيف‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة‭ ‬من‭ ‬الصفيح‭ ‬الساخن‭ ‬أو‭ ‬الملتهب‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬والمشاحنات،‭ ‬وصناعة‭ ‬الفِرَق‭ ‬أو‭ ‬المجموعات‭ ‬المتضاربة‭ ‬والمتطاحنة،‭ ‬لذلك‭ ‬توصف‭ ‬اللغة‭ ‬–‭ ‬حاليًا‭ - ‬بالقوة‭ ‬الناعمة؛‭ ‬في‭ ‬تعبير‭ ‬يُقصد‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬قوة‭ ‬لا‭ ‬تستخدم‭ ‬الأسلحة‭ ‬الثقيلة‭ ‬على‭ ‬الأرض؛‭ ‬لكنها‭ ‬الشرارة‭ ‬الحقيقية‭ ‬أو‭ ‬الموجِّه‭ ‬الخطير‭ ‬للنزاعات‭ ‬المختلفة‭! ‬

من‭ ‬هنا؛‭ ‬لا‭ ‬نستغرب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الحروب‭ ‬الحالية؛‭ ‬إعلامية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى؛‭ ‬أداتها‭ ‬الرئيسية‭ ‬هي‭ ‬الكلمة؛‭ ‬وأن‭ ‬الناجح‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المعارك؛‭ ‬هو‭ ‬المتفوق‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الكلمات،‭ ‬واللعب‭ ‬بها،‭ ‬وتقليبها،‭ ‬وإضافة‭ ‬البهارات‭ ‬اللازمة‭ ‬والمطلوبة؛‭ ‬لتقديمها‭ ‬بالطريقة‭ ‬المطلوب‭ ‬الحصول‭ ‬عليها؛‭ ‬والتي‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬هوى‭ ‬ومزاجيات‭ ‬صاحب‭ ‬الكلمة؛‭ ‬فكما‭ ‬يتم‭ ‬تفصيل‭ ‬وخياطة‭ ‬الثوب؛‭ ‬يكون‭ ‬حبك‭ ‬الكلمات،‭ ‬وتعديل‭ ‬السيناريوهات‭!‬

وكلنا‭ ‬نستخدم‭ ‬الكلمات‭ ‬أو‭ ‬اللغة،‭ ‬وجميعنا‭ ‬–‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬درجة‭ ‬الوعي‭ ‬–‭ ‬يعرف‭ ‬أهمية‭ ‬انتقاء‭ ‬الكلمات،‭ ‬وأنها‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬معانٍ‭ ‬ومفاهيم‭ ‬ودلالات،‭ ‬لذلك؛‭ ‬نحاول‭ ‬جاهدين‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬الكلمة‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬الصحيح؛‭ ‬لكيلا‭ ‬يُساء‭ ‬الفهم‭ ‬أو‭ ‬التفسير‭! ‬يحصل‭ ‬هذا‭ ‬يوميًا‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬العادية،‭ ‬غير‭ ‬أننا‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬وننشر؛‭ ‬تختلف‭ ‬أهمية‭ ‬الكلمة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير؛‭ ‬إذ‭ ‬تكون‭ ‬محفوظة،‭ ‬ومُسجّلة،‭ ‬ومحسوبة‭ ‬علينا‭ ‬تمامًا؛‭ ‬خصوصًا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬الكلمة‭ ‬شخصيةً‭ ‬مشهورة‭ ‬أو‭ ‬كاتبًا‭ ‬معروفًا‭!‬

غير‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تُرضي‭ ‬الكلمة‭ ‬أو‭ ‬الكتابة‭ ‬الجميع؛‭ ‬فالأفهام‭ ‬ليست‭ ‬متساوية‭ ‬من‭ ‬جهة؛‭ ‬والكلمة‭ ‬تحمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مَنْ‭ ‬يَعرف‭ (‬كيف‭ ‬يأكل‭ ‬كتِفَ‭ ‬الكلمة‭)‬،‭ ‬ويطوّعها،‭ ‬أو‭ ‬يلويها‭ ‬أحيانًا‭ ‬لتتناسب‭ ‬مع‭ ‬غرض‭ ‬في‭ ‬نفسه؛‭ ‬ليُسقِّط‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬أو‭ ‬يذيع‭ ‬الشائعات‭ ‬حولهم،‭ ‬أو‭ ‬يفجّر‭ ‬حالة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬نسج‭ ‬كلامه؛‭ ‬ليحقق‭ ‬التفوق‭ ‬لنفسه؛‭ ‬أيًا‭ ‬تكن‭ ‬النتائج‭!‬

كلنا‭ ‬مسؤولون‭ ‬عن‭ ‬كلامنا؛‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬يعتاشون‭ ‬على‭ ‬الكلمة‭ ‬أكثر‭ ‬مسؤولية؛‭ ‬فالصحافي،‭ ‬والمحامي،‭ ‬والمحاضر،‭ ‬والمدرب،‭ ‬ورجل‭ ‬الدين‭ ‬والسياسة،‭ ‬والمشهور‭ ‬الذي‭ ‬يحظى‭ ‬بمئات‭ ‬المعجبين،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يستخدم‭ ‬ماكينة‭ ‬اللسان،‭ ‬ويعرف‭ ‬أن‭ ‬خلفه‭ ‬تقبع‭ ‬عقول‭ ‬وأفئدة‭ ‬الجماهير‭ ‬هو‭ ‬المعنيّ‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬بالتحقق‭ ‬والتأكد‭ ‬مما‭ ‬ينشر‭ ‬من‭ ‬كلام؛‭ ‬فالكلمة‭ ‬هي‭ ‬سيف‭ ‬هذا‭ ‬العصر؛‭ ‬فمن‭ ‬ستضرب‭ ‬بها؟‭!.‬

“إن‭ ‬الحروب‭ ‬الحالية؛‭ ‬إعلامية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى؛‭ ‬أداتها‭ ‬الرئيسية‭ ‬هي‭ ‬الكلمة؛‭ ‬والناجح‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المعارك‭ ‬هو‭ ‬المتفوق‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الكلمات،‭ ‬واللعب‭ ‬بها،‭ ‬وتقليبها،‭ ‬وإضافة‭ ‬البهارات‭ ‬لها”‭.‬