سوالف

العرب خارج الحلبة بسبب المفاهيم المتعفنة

| أسامة الماجد

إن‭ ‬إحدى‭ ‬المشاكل‭ ‬الرئيسية‭ ‬لأزمات‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬جرعات‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬والنمو‭ ‬الواسع‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬التنظيرات‭ ‬والتركيز‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬الصراعات‭ ‬والمشاريع‭ ‬غير‭ ‬النافعة‭ ‬والمفيدة،‭ ‬فالجميع‭ ‬أصبح‭ ‬متمسكا‭ ‬بالوصفات‭ ‬والمفاهيم‭ ‬السياسية،‭ ‬وأعرف‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬مازال‭ ‬ينعق‭ ‬بالمفاهيم‭ ‬الماركسية‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬وأنه‭ ‬متمسك‭ ‬بالتقاليد‭ ‬الثقافية‭ ‬البالية‭ ‬للماركسية‭ ‬وغير‭ ‬قادر‭ ‬إطلاقا‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬مخازن‭ ‬التجمد،‭ ‬ومازالت‭ ‬تعقد‭ ‬ندوات‭ ‬ومحاضرات‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬بلداننا‭ ‬“تستمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات”،‭ ‬يتحدثون‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬الاشتراكية‭ ‬ولينين‭ ‬والتطبيع‭ ‬والأفق‭ ‬الضيق‭ ‬للماركسية‭ ‬واجترار‭ ‬كل‭ ‬منجزات‭ ‬العصور‭ ‬السابقة،‭ ‬ويعتبرون‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬وأروع‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬للبشرية‭. ‬

العالم‭ ‬قفز‭ ‬من‭ ‬فوقنا‭ ‬ونحن‭ ‬مازلنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الأساطير‭ ‬الشعبية‭ ‬والإبحار‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬الصلبة،‭ ‬فمن‭ ‬يصدق‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عربيا‭ ‬واحدا‭ ‬مازال‭ ‬متمسكا‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬بخزعبلات‭ ‬الماركسية‭ ‬والاشتراكية‭ ‬ويعيش‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬من‭ ‬الأحلام‭ ‬المستهلكة،‭ ‬من‭ ‬يصدق‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شخصيات‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬مازالت‭ ‬تؤمن‭ ‬بنظريات‭ ‬انجلز‭ ‬ولينين‭ ‬وستالين،‭ ‬وبين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬تقرأ‭ ‬كتاب‭ ‬“المانفستو‭ ‬الشيوعي”‭ ‬لإنعاش‭ ‬الذاكرة‭ ‬وتصدير‭ ‬الفكر‭ ‬الساذج‭ ‬للناشئة‭. ‬لا‭ ‬نختلف‭ ‬مع‭ ‬أصحاب‭ ‬المسيرة‭ ‬النضالية‭ ‬الطويلة،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المعقول‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الملجأ‭ ‬أو‭ ‬الكوخ‭ ‬ورفض‭ ‬الرياح‭ ‬الجديدة‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬انقلبت‭ ‬فيه‭ ‬الموازين‭ ‬وأصبحت‭ ‬مفاتيح‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والبناء‭ ‬الحديث‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الحلبة‭ ‬التي‭ ‬يقف‭ ‬فيها‭ ‬العالم‭ ‬وليس‭ ‬خارجها،‭ ‬والتمسك‭ ‬بالواقعية‭ ‬وإفساح‭ ‬المجال‭ ‬واسعا‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬المستنيرة‭ ‬والتركيز‭ ‬عليها‭.‬

الاحتفاظ‭ ‬بأسواق‭ ‬الماضي‭ ‬والوقوف‭ ‬ضد‭ ‬اختيار‭ ‬طريق‭ ‬التقدم‭ ‬والتطور‭ ‬المعضلة‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬يعيش‭ ‬اليوم‭ ‬مرحلة‭ ‬استنزاف‭ ‬غير‭ ‬طبيعية‭ ‬وصراعات‭ ‬هبوطا‭ ‬وصعودا،‭ ‬وآثار‭ ‬الدمار‭ ‬برزت‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬ولا‭ ‬حاجة‭ ‬لذكرها،‭ ‬ابتعدنا‭ ‬عن‭ ‬الخلق‭ ‬والإبداع‭ ‬وضيعنا‭ ‬عواصم‭ ‬عربية‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬درة‭ ‬الدرر‭ ‬وأسطورة‭ ‬الأساطير‭ ‬وتركنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬رهينة‭ ‬للنظريات‭ ‬والأطر‭ ‬والصيغ‭ ‬والقوالب‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬نشاط‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬والفكر‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬العربية‭.‬

إن‭ ‬أردنا‭ ‬التطور‭ ‬وملاحقة‭ ‬العالم‭ ‬كعرب‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أولا‭ ‬لفظ‭ ‬القيم‭ ‬والمفاهيم‭ ‬المتعفنة‭ ‬التي‭ ‬ترسبت‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬مجتمعاتنا‭.‬