غريب وسط داري!

| نجاة المضحكي

ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مواطن‭ ‬غيور‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬الأجانب‭ ‬وقد‭ ‬طغت‭ ‬أعدادهم‭ ‬واحتلوا‭ ‬الشوارع‭ ‬والأرصفة،‭ ‬كما‭ ‬احتلوا‭ ‬المساكن،‭ ‬حتى‭ ‬ضاعت‭ ‬ما‭ ‬بينهم‭ ‬الهوية‭ ‬البحرينية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬أعدادا‭ ‬بين‭ ‬ألوف‭ ‬مؤلفة‭... ‬نعم‭ ‬ضاعت‭ ‬الهوية‭ ‬فالوجوه‭ ‬تغيرت‭ ‬واللسان‭ ‬ليس‭ ‬عربيا‭ ‬وعادات‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬إلى‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬ولا‭ ‬أهل‭ ‬الخليج‭ ‬بصلة‭.‬

نعم‭ ‬ضاعت‭ ‬الهوية،‭ ‬فالجميع‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬وبائعين‭ ‬وأصحاب‭ ‬محلات‭ ‬تجارية‭ ‬جميعهم‭ ‬غرباء‭ ‬جاءوا‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬الرزق،‭ ‬فإذا‭ ‬بهم‭ ‬ينصدمون‭ ‬بواقع‭ ‬لم‭ ‬يحلموا‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬دولهم‭ ‬التي‭ ‬هربوا‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الفقر،‭ ‬نعم‭ ‬دولهم‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬لهم‭ ‬بالبيع‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬ولا‭ ‬نبش‭ ‬القمامة،‭ ‬دولهم‭ ‬لا‭ ‬يحصلون‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬وعلاج‭ ‬مجاني‭.‬

إنه‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم،‭ ‬عندما‭ ‬يستطيعون‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬خليجية‭ ‬كما‭ ‬يعيش‭ ‬أبناؤها،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬لهم‭ ‬مسموح‭ ‬غير‭ ‬ممنوع،‭ ‬فلا‭ ‬هم‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬كفيل،‭ ‬فكفالتهم‭ ‬مفتوحة‭ ‬غير‭ ‬مقيدة‭ ‬بشرط،‭ ‬عندما‭ ‬أتاح‭ ‬لهم‭ ‬النظام‭ ‬المرن‭ ‬أن‭ ‬يدفعوا‭ ‬مبلغ‭ ‬التأشيرة‭ ‬وتكون‭ ‬لديهم‭ ‬البطاقة‭ ‬الزرقاء‭ ‬التي‭ ‬منها‭ ‬يحق‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يمارسوا‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬تجاري،‭ ‬فالأجنبي‭ ‬اليوم‭ ‬ما‭ ‬عليه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬حاله‭ ‬كحال‭ ‬المواطن،‭ ‬فيحصل‭ ‬على‭ ‬رخصة‭ ‬سجل‭ ‬تجاري‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬المواطن‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬رسوم‭ ‬ولا‭ ‬شروط‭.‬

الأجنبي‭ ‬اليوم‭ ‬يملك‭ ‬اقتصاد‭ ‬بلادي‭ ‬ويحتكر‭ ‬تجارة‭ ‬الأغذية‭ ‬بكل‭ ‬أنواعها،‭ ‬كما‭ ‬يحتكر‭ ‬الثروة‭ ‬السمكية‭ ‬والأراضي‭ ‬الزراعية،‭ ‬يستورد‭ ‬ويفتح‭ ‬المطاعم‭ ‬وغدا‭ ‬مصانع‭ ‬وشركات‭ ‬وفنادق،‭ ‬كما‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الإنشائي‭ ‬بجميع‭ ‬مجالاته،‭ ‬ولديه‭ ‬شقق‭ ‬تمليك‭ ‬وفلل،‭ ‬حتى‭ ‬رجحت‭ ‬كفته‭ ‬على‭ ‬المواطن‭.‬

مقدرة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأجانب‭ ‬وتحالفاتهم‭ ‬وكثافتهم‭ ‬ستجعل‭ ‬منهم‭ ‬قنبلة‭ ‬قد‭ ‬تنفجر‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت،‭ ‬نعم‭ ‬سيطالبون‭ ‬بالجنسية،‭ ‬وسيطالبون‭ ‬بحقوق‭ ‬سياسية‭ ‬برلمانية‭ ‬وشورية‭ ‬وسلطة‭ ‬تنفيذية،‭ ‬فهم‭ ‬اليوم‭ ‬تجار‭ ‬وأصحاب‭ ‬شركات‭ ‬مسجلة‭ ‬بأسمائهم‭ ‬فالحق‭ ‬أصبح‭ ‬معهم‭ ‬بالداخل‭ ‬والخارج‭ ‬وستتدخل‭ ‬دولهم‭ ‬والدول‭ ‬الكبرى‭ ‬وستتحرك‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭.‬

بالطبع‭ ‬سيكون‭ ‬الحق‭ ‬معهم‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬يتركوا‭ ‬شركاتهم‭ ‬وتجاراتهم‭ ‬وعقاراتهم‭ ‬ويغادروا،‭ ‬ولن‭ ‬يقبلوا‭ ‬أن‭ ‬تنتقص‭ ‬حقوقهم،‭ ‬فهم‭ ‬اليوم‭ ‬تجار‭ ‬لهم‭ ‬كلمة‭ ‬مسموعة،‭ ‬وتحركهم‭ ‬أحزاب‭ ‬سياسية‭ ‬من‭ ‬جنسيتهم‭ ‬بالداخل‭ ‬وفي‭ ‬دولهم،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬نتيجة‭ ‬النظام‭ ‬المرن،‭ ‬وهذه‭ ‬نتيجة‭ ‬تملكهم‭ ‬السجلات‭ ‬التجارية،‭ ‬وهذه‭ ‬نتيجة‭ ‬طبيعية‭ ‬لأجانب‭ ‬فاقت‭ ‬أعدادهم‭ ‬المواطنين‭ ‬وفاقت‭ ‬أموالهم‭ ‬مئات‭ ‬الملايين،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬مليارات‭.‬

نتيجة‭ ‬غير‭ ‬مبشرة‭ ‬بالخير،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬الحاضر‭ ‬يحتضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬مظلما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬أجنبي‭ ‬أصبح‭ ‬مواطنا‭ ‬بالبطاقة‭ ‬الزرقاء‭ ‬له‭ ‬حق‭ ‬التجارة‭ ‬وله‭ ‬حق‭ ‬العلاج‭ ‬والتعليم‭ ‬له‭ ‬ولأبنائه‭ ‬وشجرة‭ ‬عائلته‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها،‭ ‬فهو‭ ‬لديه‭ ‬سجل‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يجلب‭ ‬من‭ ‬يشاء،‭ ‬وسقف‭ ‬التأشيرات‭ ‬مفتوح‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬الدفع‭ ‬لهيئة‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬مضمونا‭.‬

“لا‭ ‬ملامة‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬“غريب‭ ‬وسط‭ ‬داري”،‭ ‬غريب‭ ‬بعدما‭ ‬أصبح‭ ‬الأجنبي‭ ‬يملك‭ ‬داري‭ ‬وحاله‭ ‬أحسن‭ ‬من‭ ‬حالي”‭.‬