من جديد

أسد من ورق

| د. سمر الأبيوكي

يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬أكبر‭ ‬جعفري‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬لقاء‭ ‬أجريته‭ ‬معه،‭ ‬كثيرون‭ ‬تسول‭ ‬لهم‭ ‬أنفسهم‭ ‬رسم‭ ‬أسوأ‭ ‬السيناريوهات‭ ‬الدراماتيكية‭ ‬عند‭ ‬مواجهتهم‭ ‬أي‭ ‬ظرف‭ ‬يعصف‭ ‬بحياتهم،‭ ‬ويعتقدون‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬جدار‭ ‬عرمرم‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬مظلمة‭ ‬وأن‭ ‬خلف‭ ‬الجدار‭ ‬أسدا‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬أسد‭ ‬من‭ ‬ورق‭! ‬استوقفني‭ ‬تعبيره‭ ‬كثيرا‭ ‬والذي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬رده‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬الناس‭ ‬حاليا‭ ‬من‭ ‬بلبلة‭ ‬جراء‭ ‬فرض‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬السلع‭ ‬والمنتجات‭ ‬والخدمات‭ ‬التي‭ ‬تخص‭ ‬العامة‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬موقفي‭ ‬تجاه‭ ‬إجابته‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬أختلف‭ ‬معها‭ ‬نوعا‭ ‬ما‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تروق‭ ‬للكثيرين‭ ‬لكنني‭ ‬أحببت‭ ‬تعبيره‭ ‬وشدني‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أسقطه‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬نمر‭ ‬بها،‭ ‬فتسول‭ ‬لنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الحزن‭ ‬والانهزام‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬يحكي‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬تناقضات‭ ‬عصر‭ ‬إيقاعه‭ ‬تكنولوجي‭ ‬سريع‭ ‬بارد‭ ‬غير‭ ‬متناغم‭ ‬قد‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬فناء‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬لدينا‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬أصبحت‭ ‬باهتة‭ ‬بقدر‭ ‬بهتان‭ ‬ضحكاتنا‭ ‬المرسلة‭ ‬عبر‭ ‬تطبيقات‭ ‬هواتفنا‭ ‬النقالة،‭ ‬فأصاب‭ ‬الكثيرين‭ ‬وهن‭ ‬الغربة‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬ذويهم‭ ‬وأهاليهم‭. ‬

ورغم‭ ‬صغر‭ ‬سني،‭ ‬لكنني‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬دائمة‭ ‬بأن‭ ‬الصعوبات‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬وقعها‭ ‬وأيا‭ ‬كان‭ ‬مصدرها‭ ‬سواء‭ ‬واقعا‭ ‬حيا‭ ‬أو‭ ‬فضاء‭ ‬غير‭ ‬ملموس،‭ ‬خلقت‭ ‬كي‭ ‬تخرج‭ ‬منا‭ ‬الأفضل‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬ولا‭ ‬طعم‭ ‬للحياة‭ ‬دون‭ ‬منعطفات‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬صقل‭ ‬شخصياتنا‭ ‬وتصل‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬النضوج‭ ‬الفكري‭ ‬والشخصي،‭ ‬وقابلت‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬الكثيرين‭ ‬ممن‭ ‬تعرضوا‭ ‬لأسوأ‭ ‬حملات‭ ‬التشويه‭ ‬والخداع،‭ ‬ولولا‭ ‬إيمانهم‭ ‬وصدقهم‭ ‬لما‭ ‬استمروا‭ ‬بالعطاء‭ ‬غير‭ ‬آبهين‭ ‬مستلهمين‭ ‬بذلك‭ ‬إيجابية‭ ‬مطلقة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬نفسي‭ ‬سوي‭ ‬وسليم‭ ‬يطغى‭ ‬على‭ ‬جل‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يحيط‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬ظروف‭ ‬غير‭ ‬ملائمة‭ ‬قد‭ ‬تقودها‭ ‬ملامح‭ ‬مدنية‭ ‬مبتذلة‭ ‬معيارها‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المتابعات‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الشبكات‭ ‬العنكبوتية،‭ ‬غير‭ ‬آبهين‭ ‬بترويج‭ ‬أكاذيب‭ ‬أو‭ ‬أخبار‭ ‬ناقصة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التواجد‭ ‬والتربح‭ ‬غير‭ ‬المسؤول‭.‬

ومضة‭: ‬يعجبني‭ ‬كثيرا‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬تهزمهم‭ ‬المكائد‭ ‬ولا‭ ‬ينسون‭ ‬المواقف‭ ‬ولا‭ ‬تجرهم‭ ‬الأهواء،‭ ‬فقلة‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يستطيعون‭ ‬قراءة‭ ‬المواقف‭ ‬بتأني‭ ‬دون‭ ‬بهرجة‭ ‬أو‭ ‬استزادة،‭ ‬وقلة‭ ‬يستطيعون‭ ‬السباحة‭ ‬رغم‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأمواج‭ ‬ذلك‭ ‬أنهم‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬إلا‭ ‬الصحيح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭.‬