360 درجة

عندما تصبح الديمقراطية سببا للانقسام

| أيمن همام

رغم‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬قرنا‭ ‬على‭ ‬ظهور‭ ‬مصطلح‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬السواد‭ ‬الأعظم‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬أعرق‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الغربية‭ ‬يعجزون‭ ‬عن‭ ‬استيعابه‭ ‬ويخلطون‭ ‬في‭ ‬استخدامه‭ ‬ويخطأون‭ ‬في‭ ‬تطبيقه،‭ ‬بل‭ ‬يعتبر‭ ‬كثيرون‭ ‬الديمقراطية‭ ‬سلعة‭ ‬قابلة‭ ‬للتصدير‭ ‬والاستيراد‭.‬

النظرة‭ ‬المشوشة‭ ‬للديمقراطية‭ ‬في‭ ‬الفهم‭ ‬والتطبيق‭ ‬تحرف‭ ‬الفكرة‭ ‬عن‭ ‬أهدافها،‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الديمقراطية‭ ‬منطلقا‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الشخصي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬أصبحت‭ ‬سببا‭ ‬للتباعد‭ ‬والانقسام‭ ‬والتراجع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭.‬

أبرز‭ ‬الانتقادات‭ ‬للديمقراطية‭ ‬تجسدت‭ ‬في‭ ‬استفتاء‭ ‬خروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ (‬البريكست‭)‬،‭ ‬إذ‭ ‬عزز‭ ‬الاستفتاء‭ ‬النعرات‭ ‬الإثنية‭ ‬وأثار‭ ‬الفوارق‭ ‬القومية؛‭ ‬التاريخية‭ ‬والثقافية،‭ ‬بين‭ ‬الإنجليز‭ ‬والاسكتلنديين‭ ‬والأيرلنديين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬الشمس‭ ‬لا‭ ‬تغيب‭ ‬عنها،‭ ‬كما‭ ‬عكس‭ ‬تركيز‭ ‬حكومة‭ ‬المحافظين‭ ‬برئاسة‭ ‬كاميرون‭ ‬على‭ ‬مصلحة‭ ‬انتخابية‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مستقبل‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

قد‭ ‬تحيط‭ ‬بنظرية‭ ‬الاختيار‭ ‬الشعبي‭ ‬هالة‭ ‬من‭ ‬التبجيل،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تنقشع‭ ‬الهالة‭ ‬الوهمية‭ ‬عند‭ ‬أول‭ ‬منعطف‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬الواقع،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬البريكست‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬الموضوعات‭ ‬إثارة‭ ‬للجدل‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬حيث‭ ‬تتزايد‭ ‬المطالبات‭ ‬بإعادة‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الخروج‭ ‬المكلف‭ ‬والمؤلم‭.‬

في‭ ‬مقال‭ ‬بصحيفة‭ ‬“الفايننشال‭ ‬تايمز”‭ ‬قال‭ ‬الكاتب‭ ‬السياسي‭ ‬فيليب‭ ‬ستيفينز‭ ‬إن‭ ‬بريكست‭ ‬هو‭ ‬أسرع‭ ‬طريق‭ ‬لتقسيم‭ ‬بريطانيا،‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬البريطانيين‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬عمقا‭ ‬نتيجة‭ ‬للاستفتاء‭ ‬الذي‭ ‬عكس‭ ‬اختلاف‭ ‬آراء‭ ‬المواطنين‭ ‬بحسب‭ ‬توزيعهم‭ ‬الديموغرافي‭ ‬ومستواهم‭ ‬التعليمي‭.‬

بعد‭ ‬عامين‭ ‬ونصف‭ ‬من‭ ‬الاستفتاء‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬المسؤولون‭ ‬البريطانيون‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬مخرج‭ ‬ينقذ‭ ‬بلدهم‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬البريكست،‭ ‬لكن‭ ‬الخطأ‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬موضوع‭ ‬اقتصادي‭ ‬معقد‭ ‬للاستفتاء‭ ‬العام‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أخذ‭ ‬رأي‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص،‭ ‬فلو‭ ‬فعلو‭ ‬ذلك‭ ‬لجنبوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬هذه‭ ‬الورطة‭ ‬وجنبوا‭ ‬بلادهم‭ ‬خطر‭ ‬الانقسام‭.‬