من نتائج احتلال العراق

| عبدعلي الغسرة

في‭ ‬عدد‭ ‬مُميز‭ ‬لصحيفة‭ ‬“نيويورك‭ ‬تايمز”‭ ‬الأميركية‭ ‬تم‭ ‬تخصيص‭ ‬جميع‭ ‬صفحاتها‭ ‬لموضوع‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬بالأمة‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬العدوان‭ ‬الأميركي‭ ‬والبريطاني‭ ‬والصهيوني‭ ‬والإيراني‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬واحتلاله‭ ‬في‭ ‬2003م‭.‬

أولى‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬ذكرتها‭ ‬الصحيفة‭ ‬جراء‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬هو‭ ‬تدمير‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬أرضًا‭ ‬وقيادةً‭ ‬وشعبًا،‭ ‬فكرًا‭ ‬وحضارة‭ ‬وثقافة،‭ ‬تدميرًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬واقتصاديًا‭ ‬واجتماعيًا،‭ ‬وجاء‭ ‬على‭ ‬اثره‭ ‬تقسيم‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬طوائف‭ ‬ومذاهب‭ ‬وأعراق،‭ ‬وأصبح‭ ‬نموذجًا‭ ‬لتقسيم‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬شمالي‭ ‬وجنوبي،‭ ‬ومشروعًا‭ ‬لتقسيم‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬وإهداء‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬للصهاينة،‭ ‬وأوردت‭ ‬الصحيفة‭ ‬خسائر‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ (‬1.455.590‭) ‬قتيلًا‭ ‬عراقيًا،‭ (‬4801‭) ‬أميركيًا،‭ (‬3487‭) ‬من‭ ‬الحُلفاء‭ ‬الآخرين،‭ ‬وتكلف‭ ‬العدوان‭ (‬ترليون‭ ‬و705‭ ‬مليارات‭ ‬و856‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭).‬

نتيجة‭ ‬ثانية‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬نشأة‭ ‬وترعرع‭ ‬المُنظمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬المتأسلمة‭ ‬التي‭ ‬تعددت‭ ‬أسماؤها‭ ‬واتفقت‭ ‬أهدافها‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬وقتل‭ ‬شعبها‭ ‬وتشريده‭ ‬من‭ ‬أرضه‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬ساحةً‭ ‬لصراعاتها‭ ‬الميدانية،‭ ‬فراحت‭ ‬ضحية‭ ‬تلك‭ ‬الصراعات‭ ‬أعداد‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬قتلى‭ ‬وجرحى،‭ ‬وأصبح‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬لاجئًا‭ ‬في‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬وفي‭ ‬مخيمات‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬أبسط‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الإنسانية‭.‬

وتمثلت‭ ‬النتيجة‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬خسائرها‭ ‬العربية‭ (‬830‭) ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬بجانب‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬بنيوي‭ ‬وما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬الحالة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬التردي‭ ‬والتخلف‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬النهضة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تتنافس‭ ‬فيه‭ ‬الأمم‭ ‬الغربية‭ ‬والآسيوية‭ ‬غير‭ ‬العربية‭ ‬نحو‭ ‬النماء‭ ‬والرخاء‭.‬

وبعد‭ ‬16‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭ ‬وسنوات‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬مازال‭ ‬التدمير‭ ‬عربيًا‭ ‬مُستمرًا‭ ‬على‭ ‬أيدِ‭ ‬عربية‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬اليمن‭ ‬وليبيا،‭ ‬وفي‭ ‬أقطار‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬وبتوجيه‭ ‬ودعم‭ ‬إقليمي‭ ‬وغربي‭ ‬وشرقي،‭ ‬والقاتل‭ ‬والمقتول‭ ‬هو‭ ‬العربي‭ ‬المُدَمَرةَ‭ ‬أرضه‭ ‬والمنهوبة‭ ‬ثرواته‭ ‬والمُكْتسِب‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تجار‭ ‬الحروب‭ ‬وأسلحتها‭ ‬التي‭ ‬تباع‭ ‬للعرب‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬عامٍ‭ ‬جديد‭ ‬يأتي،‭ ‬نقول‭ ‬ونتمنى‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬غيره،‭ ‬ونتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬مُستقبل‭ ‬عربي‭ ‬مُضيء‭ ‬مُبشر‭ ‬بالتفاؤل‭ ‬والخير،‭ ‬فأرضنا‭ ‬مُلتهبة‭ ‬وجروحنا‭ ‬نازفة‭ ‬وشعبنا‭ ‬العربي‭ ‬مُدمَر‭ ‬وطنيًا‭ ‬وقوميًا،‭ ‬دينيًا‭ ‬ومذهبيًا‭ ‬وإنسانيًا‭.‬

أصبح‭ ‬العربي‭ ‬لاجئًا‭ ‬في‭ ‬أرضه‭ ‬وغريبًا‭ ‬في‭ ‬أمته‭ ‬وفقيرًا‭ ‬بما‭ ‬تملك‭ ‬أقطاره‭ ‬من‭ ‬ثروات،‭ ‬وأعداؤنا‭ ‬فرحون‭ ‬بحالنا‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬من‭ ‬سيءٍ‭ ‬إلى‭ ‬أسوأ‭!.‬