سوالف

مأساة عربية بالخط العريض

| أسامة الماجد

تجولت‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الأيام‭ ‬للكتاب‭ ‬الأخير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬حيث‭ ‬العلوم‭ ‬والمعارف‭ ‬والفكر‭ ‬والثقافة،‭ ‬واكتشفت‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬مصاب‭ ‬بداء‭ ‬العقم‭ ‬الفكري،‭ ‬واستنتجت‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سؤالي‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الناشرين،‭ ‬وكأنه‭ ‬سؤال‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬المال‭ ‬والبورصة‭ ‬عن‭ ‬أكثر‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬يقبل‭ ‬عليها‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المعرض،‭ ‬وكأنني‭ ‬فراشة‭ ‬اختارت‭ ‬أتون‭ ‬النار،‭ ‬وكانت‭ ‬الإجابات‭ ‬تقريبا‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الكتب‭ ‬الدينية‭ ‬وكتب‭ ‬الفلك‭ ‬والشعوذة‭ ‬وروايات‭ ‬الجيب‭ ‬السخيفة،‭ ‬والقليل‭ ‬من‭ ‬يتسرب‭ ‬إلى‭ ‬قلبه‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الكتب‭ ‬الأدبية‭ ‬الرصينة‭ ‬وذات‭ ‬الجوهر‭ ‬الإنساني‭ ‬العظيم،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يدركون‭ ‬أهمية‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬تقدم‭ ‬الحياة‭ ‬والحضارة‭ ‬أصبحوا‭ ‬قلة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية،‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يعرفون‭ ‬حق‭ ‬المعرفة‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أسلحة‭ ‬المعركة‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬إبراز‭ ‬الجوهر‭ ‬الإنساني‭ ‬للأمة‭ ‬العربية‭ ‬والمكانة‭ ‬التاريخية‭ ‬والحضارية‭ ‬التي‭ ‬أحرزتها،‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬يتابع‭ ‬مراحل‭ ‬معركة‭ ‬العروبة‭ ‬عمقا‭ ‬وشمولا‭ ‬ويؤثر‭ ‬إيجابا‭ ‬في‭ ‬تنشئة‭ ‬العقول‭ ‬والاطمئنان‭ ‬إلى‭ ‬مستقبلها‭.‬

انحسار‭ ‬موجة‭ ‬التهافت‭ ‬على‭ ‬الكتب‭ ‬الرصينة‭ ‬وذات‭ ‬القيمة‭ ‬المدهشة‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬معارض‭ ‬الكتاب‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج،‭ ‬وبروز‭ ‬موجة‭ ‬التسابق‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬كتب‭ ‬الغباء‭ ‬والتخلف‭ ‬ونوبات‭ ‬الصرع‭ ‬والثرثرة‭ ‬والأبراج،‭ ‬مأساة‭ ‬عربية‭ ‬بالخط‭ ‬العريض،‭ ‬فحتى‭ ‬دور‭ ‬الكتب‭ ‬أصبحت‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بوضع‭ ‬كتب‭ ‬العظماء‭ ‬كجبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران‭ ‬والعقاد‭ ‬وطه‭ ‬حسين‭ ‬وفلاسفة‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬الرفوف‭ ‬الأمامية،‭ ‬بل‭ ‬تخفيها‭ ‬تحت‭ ‬ركام‭ ‬كتب‭ ‬البدع‭ ‬وفك‭ ‬الطلاسم‭ ‬والطبخ‭ ‬والإفلاس‭ ‬الفكري،‭ ‬لعلمها‭ ‬أنها‭ ‬كتب‭ ‬بغيضة‭ ‬وليس‭ ‬عليها‭ ‬طلب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬والزمان‭ ‬الموبوء‭ ‬بداء‭ ‬الغربة‭ ‬والمطالعات‭ ‬الرخيصة،‭ ‬فجل‭ ‬من‭ ‬يزور‭ ‬معارض‭ ‬الكتاب‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الكتب‭ ‬الرخيصة‭ ‬الساقطة‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬ربي،‭ ‬فالبحتري‭ ‬وعبدالله‭ ‬القصيمي‭ ‬وحنا‭ ‬مينا‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يصهل‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬دمائهم‭ ‬أصبحوا‭ ‬غرباء‭ ‬ومسافرين‭ ‬بلا‭ ‬هوية‭.‬

ليست‭ ‬العبرة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬معارض‭ ‬الكتاب‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬العربية،‭ ‬إنما‭ ‬العبرة‭ ‬في‭ ‬نوعية‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تطرق‭ ‬كل‭ ‬باب‭ ‬وتفترش‭ ‬العقول‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬فيدرو‭ ‬ديستوفيسكي‭... ‬الكتاب‭ ‬غير‭ ‬المفيد‭ ‬كالسيف‭ ‬الذي‭ ‬يغتالك‭.‬