ستة على ستة

مجلس النواب الأميركي والحجاب الإسلامي

| عطا السيد الشعراوي

مفارقة‭ ‬غريبة‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬يطالب‭ ‬بالتضييق‭ ‬على‭ ‬المحجبات‭ ‬والمنقبات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دولنا‭ ‬وزيادة‭ ‬مساحات‭ ‬الحظر‭ ‬والمنع‭ ‬وأن‭ ‬تزداد‭ ‬حملات‭ ‬الهجوم‭ ‬والانتقاد‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لتصوير‭ ‬من‭ ‬تلتزم‭ ‬بهذا‭ ‬اللباس‭ ‬بصفات‭ ‬منفرة‭ ‬وإلصاق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التهم‭ ‬جزافًا‭ ‬ضدها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يقوم‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأميركي‭ ‬بتعديل‭ ‬قانونه‭ ‬الداخلي‭ ‬ليسمح‭ ‬بارتداء‭ ‬الحجاب‭ ‬في‭ ‬مقره‭.‬

فبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬181‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬الحظر‭ ‬القانوني‭ ‬وتحديدا‭ ‬منذ‭ ‬1837،‭ ‬أقرّ‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬جلسته‭ ‬المنعقدة‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬يناير‭ ‬الجاري‭ ‬هذا‭ ‬التعديل‭ ‬ليسمح‭ ‬بارتداء‭ ‬كل‭ ‬غطاء‭ ‬رأس‭ ‬لأسباب‭ ‬دينية‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالحجاب‭ ‬لدى‭ ‬المسلمين‭ ‬أوالقلنسوة‭ ‬اليهودية‭ ‬أو‭ ‬العمامة‭ ‬عند‭ ‬السيخ‭.‬

وكان‭ ‬لفوز‭ ‬إلهان‭ ‬عمر‭ ‬اللاجئة‭ ‬الصومالية‭ ‬سابقا‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬التجديد‭ ‬النصفي‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي‭ ‬وحصولها‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬دور‭ ‬مهم،‭ ‬إذ‭ ‬أعلنت‭ ‬منذ‭ ‬فوزها‭ ‬تمسكها‭ ‬بارتداء‭ ‬الحجاب،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬الدستور‭ ‬يحميها‭ ‬وشاركت‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬مشروع‭ ‬تعديل‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬يحظر‭ ‬غطاء‭ ‬الرأس‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭.‬

لقد‭ ‬أسدى‭ ‬الديمقراطي‭ ‬جيم‭ ‬ماكجوفرن‭ ‬الذي‭ ‬ترأس‭ ‬اللجنة‭ ‬المكلفة‭ ‬بالتصويت‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬الداخلي‭ ‬الجديد،‭ ‬نصيحة‭ ‬مهمة‭ ‬بقوله‭: ‬“إن‭ ‬القانون‭ ‬سينص‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬تمنع‭ ‬أية‭ ‬قيود‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬عمله‭ ‬الذي‭ ‬انتخب‭ ‬على‭ ‬أساسه،‭ ‬بسبب‭ ‬ديانته”‭.‬

لم‭ ‬يقل‭ ‬الرجل‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬إن‭ ‬الحجاب‭ ‬معطل‭ ‬للمرأة‭ ‬ويعيقها‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬مهامها،‭ ‬ولم‭ ‬يتهم‭ ‬من‭ ‬تغطي‭ ‬رأسها‭ ‬بأنها‭ ‬تفقد‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬عقلها‭ ‬بهذا‭ ‬الغطاء‭ ‬كما‭ ‬يدعي‭ ‬البعض،‭ ‬بل‭ ‬حث‭ ‬على‭ ‬منح‭ ‬الحرية‭ ‬للجميع‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬الأداء‭ ‬مقياس‭ ‬الحكم‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬جلسة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأميركي‭ ‬التي‭ ‬أقرت‭ ‬التعديل‭ ‬الجديد‭ ‬كانت‭ ‬استثنائية‭ ‬وتاريخية،‭ ‬إذ‭ ‬ألقت‭ ‬النائبة‭ ‬المسلمة‭ ‬رشيدة‭ ‬طليب‭ ‬القسم‭ ‬مرتدية‭ ‬الثوب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬كما‭ ‬حلفت‭ ‬على‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬كما‭ ‬أدت‭ ‬إلهان‭ ‬عمر‭ ‬قسم‭ ‬اليمين‭ ‬على‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وهي‭ ‬ترتدي‭ ‬الحجاب‭.‬

عندما‭ ‬تصر‭ ‬وتنجح‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬تصحيح‭ ‬قناعات‭ ‬وتعديل‭ ‬قانون‭ ‬راسخ‭ ‬لنحو‭ ‬قرنين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬فهنا‭ ‬يكون‭ ‬الإنجاز،‭ ‬وعندما‭ ‬تتجاوب‭ ‬معها‭ ‬مؤسسة‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬شخص،‭ ‬فهنا‭ ‬يكون‭ ‬الوعي‭ ‬وتكون‭ ‬الديمقراطية‭.‬