تقنين الجمعيات... ضرورة

| زهير توفيقي

بحّت‭ ‬أصواتنا‭ ‬ونحن‭ ‬ننادي‭ ‬بضرورة‭ ‬وضع‭ ‬حدٍ‭ ‬لهذا‭ ‬العدد‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬المهنية‭ ‬و‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والخيرية‭ ‬في‭ ‬مملكتنا‭ ‬الحبيبة،‭ ‬نظراً‭ ‬لما‭ ‬يتسبب‭ ‬فيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تشتت‭ ‬للجهود‭ ‬والمسؤوليات‭ ‬وضعف‭ ‬في‭ ‬ميزانيات‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات،‭ ‬وما‭ ‬يترتّب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬والبنوك‭ ‬والشركات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬التي‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬مدفوعة‭ ‬لتقديم‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬من‭ ‬دعمٍ‭ ‬لهذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬تحت‭ ‬بند‭ ‬الوفاء‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬المجتمعيّة‭.‬

وحسب‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الأخيرة‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬والتنمية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فإن‭ ‬عدد‭ ‬تلك‭ ‬الجمعيات‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬400‭! ‬فهل‭ ‬يُعقل‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الضخم‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الصغير‭ ‬جغرافياً‭ ‬وديموغرافياً‭. ‬لسنا‭ ‬هنا‭ ‬بصدد‭ ‬التطرق‭ ‬للأدوار‭ ‬الخيرّة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬تلك‭ ‬الجمعيات‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬لدينا‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬تقدّم‭ ‬خدمات‭ ‬جليلة‭ ‬وتبذل‭ ‬جهوداً‭ ‬جبارة‭ ‬لخدمة‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬بكل‭ ‬أطيافه،‭ ‬وأنا‭ ‬شخصياً‭ ‬دائم‭ ‬التواصل‭ ‬معها‭ ‬بحكم‭ ‬عملي،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬شهادتي‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬مجروحة،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لنبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬جذرية‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬غير‭ ‬الصحّي‭. ‬يتشابه‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬والأنشطة،‭ ‬والكثير‭ ‬منها‭ ‬للأسف‭ ‬لا‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الطموحات،‭ ‬ولا‭ ‬يُحقق‭ ‬أيّا‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬تأسّست‭ ‬الجمعية‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تأسيسها‭ ‬جاء‭ ‬أصلاً‭ ‬لحاجة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬يعقوب‭! ‬ولكي‭ ‬أكون‭ ‬أكثر‭ ‬صراحة‭ ‬أمام‭ ‬القارئ‭ ‬الكريم‭ ‬فإنني‭ ‬أجزم‭ ‬بأن‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬تشكلت‭ ‬لضرب‭ ‬جمعيات‭ ‬أخرى‭ ‬تتشابه‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬العمل،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬خلافات‭ ‬شخصية‭ ‬بين‭ ‬الأعضاء‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أمراض‭ ‬العصر‭ ‬مثل‭ ‬حب‭ ‬الظهور‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الشهرة‭ ‬والبريستيج‭.‬

‭ ‬نعم‭ ‬أقولها‭ ‬بكل‭ ‬حسرة‭ ‬إن‭ ‬البعض‭ ‬أصبح‭ ‬يفتقر‭ ‬للمبادئ‭ ‬ويتملكه‭ ‬حُب‭ ‬الذات‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬المصالح‭. ‬على‭ ‬الوزارة‭ ‬المعنيّة‭ ‬أن‭ ‬تغيّر‭ ‬الشروط‭ ‬اللازمة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬ترخيص‭ ‬بتأسيس‭ ‬جمعية،‭ ‬وينبغي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬أن‭ ‬تبادر‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬هماً‭ ‬مستمراً‭ ‬وضغطاً‭ ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬والمؤسسات‭. ‬ومع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭ ‬فإن‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬والتنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عندما‭ ‬وضعت‭ ‬قوانينها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أشخاصاً‭ ‬سيقومون‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭ ‬باستغلال‭ ‬تلك‭ ‬القوانين،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬جاهداً‭ ‬عن‭ ‬ثغرات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬لاستغلالها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬الرخيصة‭. ‬

تلك‭ ‬الجمعيات‭ ‬وجدت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خدمة‭ ‬المجتمع‭ ‬أولاً‭ ‬وأخيراً،‭ ‬وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يعمل‭ ‬بكل‭ ‬إخلاص‭ ‬وكفاءة‭ ‬للوفاء‭ ‬بالمسؤوليات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬الجمعية‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الجمعيات‭ ‬أصبحت‭ ‬تفتقر‭ ‬للثقّة‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬غير‭ ‬صحيحة،‭ ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬هنا،‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬حلٍ‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬فقط‭ ‬أفكار‭ ‬يتم‭ ‬طرحها‭ ‬لتبقى‭ ‬مجرد‭ ‬حبرٍ‭ ‬على‭ ‬ورق‭.‬

‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬حلولاً‭ ‬إذا‭ ‬كنّا‭ ‬حقاً‭ ‬نحب‭ ‬مملكتنا‭ ‬الحبيبة‭ ‬فعلاً‭ ‬وليس‭ ‬قولاً،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬المواطنة‭ ‬الحقّة‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬يسكن‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة،‭ ‬فنحن‭ ‬عندما‭ ‬نطرح‭ ‬قضايانا‭ ‬المحليّة‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نطمح‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬الآذان‭ ‬الصاغيّة‭.‬

ولكي‭ ‬لا‭ ‬تتبعثر‭ ‬الجهود‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬يبذلها‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬الجمعيات‭ ‬المعروفة‭ ‬بحسن‭ ‬الأداء‭ ‬فلربما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الجيد‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬تقنين‭ ‬تلك‭ ‬الجمعيات‭ ‬وتوزيعها‭ ‬بحسب‭ ‬المحافظات‭ ‬الأربع‭. ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬داعٍ‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الرهيب‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬فالمطلوب‭ ‬هو‭ ‬الكيف‭ ‬وليس‭ ‬الكّم‭.‬‭ ‬والله‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القصد‭.‬