المشكلة الصغيرة... تكبر!

| علي نون

لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬سقفاً‭ ‬للابتزاز‭ ‬الذي‭ ‬يمارسه‭ ‬“حزب‭ ‬الله”‭ ‬وملحقاته‭ ‬حيال‭ ‬اللبنانيين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تمترسه‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬تعطيل‭ ‬قيام‭ ‬الحكومة،‭ ‬ورمي‭ ‬عباءته‭ ‬لتغطية‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭ ‬تصبّ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الهدف،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الحسبة‭ ‬الأخيرة‭ ‬عنده‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬جلّ‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬يخدمه‭ ‬ويخدم‭ ‬حساباته‭ ‬الإيرانية‭. ‬يخترع‭ ‬المشكلة‭ ‬ويطلب‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬حلّها،‭ ‬ويتبرّع‭ ‬بتقديم‭ ‬هدايا‭ ‬سياسية‭ ‬لكنه‭ ‬يرفض‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬أثمانها‭ ‬من‭ ‬خزائنه،‭ ‬ولا‭ ‬يهمّه‭ ‬إن‭ ‬طافت‭ ‬الدنيا‭ ‬أزمات‭ ‬وتعقيدات،‭ ‬أو‭ ‬وصلت‭ ‬المواجع‭ ‬إلى‭ ‬ذراها،‭ ‬أو‭ ‬ترنّح‭ ‬لبنان‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬أمراضه،‭ ‬أو‭ ‬عادت‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬في‭ ‬الإجمال‭ ‬والتفصيل،‭ ‬أو‭ ‬فرّخت‭ ‬العقدة‭ ‬الهامشية‭ ‬تعقيدات‭ ‬أساسية‭ ‬ورئيسية،‭ ‬أو‭ ‬دخل‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬متاهة‭ ‬خطيرة‭ ‬حيث‭ ‬الدستور‭ ‬موضع‭ ‬تأويل‭! ‬وحيث‭ ‬المناورات‭ ‬السياسية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬السقوف‭ ‬ولا‭ ‬تراعي‭ ‬شيئاً،‭ ‬لا‭ ‬تفاهمات‭ ‬ولا‭ ‬تسويات‭ ‬ولا‭ ‬أعرافاً‭ ‬ولا‭ ‬ميثاقية‭ ‬ولا‭ ‬أوزاناً‭ ‬ولا‭ ‬“مصلحة‭ ‬البلد”‭! ‬ولا‭ ‬الاستقرار‭ ‬المهدّد‭ ‬بكل‭ ‬أنواع‭ ‬التهديدات‭! ‬بل‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬يدفع‭ ‬إلى‭ ‬التيقّن‭ ‬بأنّ‭ ‬المشكلة‭ ‬المسمّاة‭ ‬“توزير‭ ‬سنّة‭ ‬حزب‭ ‬الله”‭ ‬تكاد‭ ‬أن‭ ‬تصير‭ ‬تفصيلاً‭ ‬أكثر‭ ‬هامشية‭ ‬عمّا‭ ‬كانت‭ ‬عليه،‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬أفرزته‭ ‬وتفرزه‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬العام،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬بدأت‭ ‬مثل‭ ‬كرة‭ ‬الثلج‭ ‬وراحت‭ ‬تتدحرج‭ ‬نزولاً‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬أو‭ ‬تكاد‭ ‬جبلاً‭ ‬جامداً‭ ‬يطبق‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬ويدفع‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬المعنيين‭ ‬إلى‭ ‬إظهار‭ ‬أداء‭ ‬مرتبك،‭ ‬من‭ ‬علاماته‭ ‬المسّ‭ ‬بالبديهيات‭ (‬الدستورية‭ ‬والعرفية‭) ‬فيما‭ ‬“الموضوع”‭ ‬لا‭ ‬يستاهل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الاستنفار‭! ‬ولا‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التوتر‭ ‬ولا‭ ‬الارتداد‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬كأن‭ ‬شيئاً‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭! ‬أو‭ ‬كأن‭ ‬الوضع‭ ‬العام‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يحتمل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬الآتي‭ ‬من‭ ‬نوازع‭ ‬شخصية‭! ‬أو‭ ‬كأن‭ ‬اللبنانيين‭ ‬يملكون‭ ‬فائضاً‭ ‬من‭ ‬الترف‭ ‬يسمح‭ ‬لهم،‭ ‬أو‭ ‬لمن‭ ‬يريد‭ ‬منهم،‭ ‬بتقطيع‭ ‬الوقت‭ ‬وقتل‭ ‬المَلَل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬“التسلية”‭ ‬بإعادة‭ ‬تفسير‭ ‬الدستور‭! ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬قراءات‭ ‬مبتورة‭ ‬لنصوصه‭ ‬التامّة‭! ‬أو‭ ‬تأويلات‭ ‬مُبهمة‭ ‬لمواده‭ ‬الواضحة‭.‬

‭ ‬وكأنّ‭ ‬البعض‭ ‬يستهوي‭ ‬الغدر‭ ‬بحاله‭ ‬قبل‭ ‬الغدر‭ ‬بغيره،‭ ‬وينخرط‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬مؤذية‭ ‬له‭ ‬بقدر‭ ‬إيذائها‭ ‬لذلك‭ ‬الغير‭! ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬يُفترض‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أوّل‭ ‬العارفين‭ ‬وأكثر‭ ‬المتيقّنين‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬الأضرار‭ ‬المفترضة‭ ‬من‭ ‬المماحكة‭ ‬الخطيرة‭ ‬الجارية،‭ ‬تصيبه‭ ‬مثلما‭ ‬تصيب‭ ‬كل‭ ‬المستهدفين‭ ‬وربما‭ ‬أكثر،‭ ‬وأن‭ ‬الانصياع‭ ‬لأجندات‭ ‬مطّاطة‭ ‬وكيدية‭ ‬وشاملة‭ ‬تحت‭ ‬عناوين‭ ‬توزيرية‭ ‬صغيرة،‭ ‬يوصل‭ ‬إلى‭ ‬“أزمات‭ ‬كبرى”‭ ‬لا‭ ‬تفيد‭ ‬المجموع‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الدولة‭ ‬والكيان،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬تفيد‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬إلاّ‭ ‬مَن‭ ‬يتربّص‭ ‬شرّاً‭ ‬بلبنان‭ ‬وتركيبته‭ ‬السيادية‭ ‬والدستورية‭ ‬والميثاقية‭! ‬أكان‭ ‬هذا‭ ‬المتربّص‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬السلطة‭ ‬الأسدية،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬وفق‭ ‬أجندة‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيرانية‭.‬

وبدلاً‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬“تصغير”‭ ‬المشكلة‭ ‬يُصار‭ ‬إلى‭ ‬تكبيرها‭! ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬حصرها‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬ضيّقة‭ ‬يُصار‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬بيكارها‭ ‬وتعميق‭ ‬مساميرها‭! ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬الابتزاز‭ ‬برفضه،‭ ‬وردّ‭ ‬البضاعة‭ ‬إلى‭ ‬مصدرها‭ ‬يُصار‭ ‬إلى‭ ‬مجاراة‭ ‬المبتز‭ ‬بطريقة‭ ‬غريبة‭!‬

هذه‭ ‬أزمة‭ ‬توزير‭ ‬وسلطة‭ ‬وليست‭ ‬أزمة‭ ‬حكم‭ ‬ولا‭ ‬نظام‭ ‬ولا‭ ‬دستور،‭ ‬وأزمة‭ ‬اخترعها‭ ‬“حزب‭ ‬الله”‭ ‬لحساب‭ ‬إيراني‭ ‬أساسي‭ ‬وآخر‭ ‬أسدي‭ ‬فرعي‭ ‬وليست‭ ‬من‭ ‬اختراع‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬عنديّات‭ ‬الرئيس‭ ‬سعد‭ ‬الحريري،‭ ‬وحلّها‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬حسابه‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المكوّن‭ ‬الذي‭ ‬يمثّله،‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الاستقرار‭ ‬الوطني‭ ‬العام‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الدستور‭ ‬والميثاقية‭... ‬و”روح”‭ ‬التسوية‭ ‬الرئاسية‭!. ‬“المستقبل”‭.‬