ومضة قلم

يكفي استخفافا بالعقول

| محمد المحفوظ

إنه لمن المحزن حقا أن يهبط البعض إلى هذا المستوى اللامعقول في استخفافهم بعقول الناس وأن يدفعهم عشقهم الأعمى للمال إلى تقديم برامج من قبيل ما بات رائجا في الأعوام الأخيرة تحت مسمى الكاميرا الخفية، يجب التنبيه إلى أنّ هناك خيطا رفيعا بين المواقف الكوميدية وبين الضحك على الذقون، فما إن يطل علينا شهر رمضان المبارك حتى تتسابق الفضائيات في تقديم البرامج السطحية الفارغة من أية قيمة أو مضمون فكري، وما يسمى ببرنامج الكاميرا الخفية لا يتعدى الإيقاع بالأشخاص الأبرياء ضمن ما يخطط له من مشاهد وتحويلهم إلى مجرد أدوات للضحك والسخرية، وفي بعض الأحيان تعريض حياة الكثيرين إلى خطر حقيقي كإطلاق نار أصاب مقدم برنامج في برميل قمامة كما تم التخطيط له مما دفع بعض الدول إلى منع إنتاج هذا البرنامج كما في جمهورية روسيا.

يحسب القائمون على مثل هذه الأعمال بما يؤدون من مقالب أنهم يقدمون جرعة من الكوميديا تبعث على التخفيف من الهموم وخصوصا في هذه الأيام، لكنها في الواقع في غاية الاستخفاف بأقدار الناس، وفي محاولة من منتجي هذه الأعمال إلى جذب أكبر عدد من الجمهور لبرامجهم فإنهم يستضيفون نجوما كبارا في عالم الدراما تتم إهانتهم، بل الحط من قيمتهم أمام المشاهدين.

لا أظن أن هناك من يعترض على عمل يحمل شيئا من الترفيه والمتعة والسعادة بعد عناء يوم من المشقة بل على العكس تماما أصبح التخفيف على نفسية الإنسان العربيّ المثقلة بالهموم والإحباطات أمرا مطلوبا لكن الذي فات هؤلاء أنّه يجب احترام الإنسان وعدم تحويله إلى أداة للسخرية، الجهة الوحيدة الرابحة هي شركات الإنتاج التي تضع في قائمة اهتماماتها جني أكبر عائد من الأموال، وفي هذا السبيل فإنها تسخر كل الإمكانيات بصرف النظر عن قيمتها الأخلاقية، والذي يثير الغضب أنّ أغلبية الفضائيات تتسابق في عرض هذه المهزلة في كل موسم رمضاني دون النظر لانعكاساتها على المشاهد، ويبقى القول إنّ “الكاميرا الخفية” لا تمثل إلاّ نموذجا فقط لسوء استغلالنا لهذا الجهاز الخطير، والمطلوب من القائمين على الفضائيات العربية التدقيق في اختيار ما يقدمون من أعمال.