المسؤولية الجنائية للطبيب عن الأعمال المهنية

| خالد علي سلمان

لم تعد مشكلة الأخطاء الطبية محصورة ضمن كوادرها في الساحة الطبية، بل هي مشكلة اجتماعية تحوز أهمية خاصة لدى جميع فئات المجتمع وشرائحه، لكونها تشكل هاجسا لرجال القانون والعدالة، كون الأخطاء الطبية باتت تنجم عنها في بعض الحالات وفاة المرضى أو إصابتهم بعاهات وإعاقات تفتح الباب أمام الكيفية التي يتعين فيها مجابهة هذه الأخطاء والمخاطر التي تنجم عنها.

إن مزاولة الأعمال الطبية والجراحية التي يقوم بها الطبيب تتطلب المساس بسلامة جسم الإنسان، كفحص جسم المريض، ووصف الأدوية، وإعطاء بعض المواد المخدرة وإجراء جراحة، ونزع أجزاء من أنسجة جسم الإنسان أو عينات من دمه لإجراء التحاليل، فهذه الأفعال تشكل إذا قام بها شخص عادي جرائم بموجب قوانين العقوبات، وكذا قوانين ممارسة مهن الطب.

ولكن الإشكال الحقيقي في حال تم المساس بحياة المريض من قبل الطبيب، فكما هو معلوم أن الأطباء يرتكبون أخطاء عمدية عن قصد كالإجهاض - وتزوير التقارير - عدم تقديم المساعدة للأشخاص في حالة الخطر وغيرها من الحالات، أما الأخطاء غير العمدية فقد حددت في الحالات التالية:

حالة الرعونة والإهمال وعدم الانتباه.

عدم الاحتراز، وعدم مراعاة القوانين والأنظمة المقننة لمهنة مزاولة الطب.

لذلك وجب إحاطة هذه المهنة بالرقابة لتفادي هذه الحالات بما بات يعرف بالمسؤولية الجنائية للطبيب، للحد من الأخطاء الطبية وفرض جزاءات تتناسب مع الفعل المتخذ ضد المريض.

فالعلاقة بين الطبيب والمريض التزام أخلاقي وقانوني، أي يفرض عليه بذل عناية وحذر من أجل عدم الإضرار بالغير، وأي إخلال نتج عنه ضرر وجبت المساءلة الجنائية للطبيب عن هذا السلوك، فمثلا إذا وصف الطبيب دواء غير مناسب للمريض أو أخطا في تقديره للجرعات اللازمة للعلاج (أخطاء التشخيص)، أو زيادة المادة المخدرة للمريض، وترتب عن ذلك ضرر يتحمل بذلك المسؤولية الجنائية.

وقضت المحاكم الفرنسية على المسؤولية الجنائية للطبيب لقيامه بعملية جراحية كاملة في حين كان بالإمكان القيام بالجراحة الجزئية وأوجبت مسؤولية الطبيب الجنائية.

وقد جاء التشريع البحريني مؤكدا لهذه التوجهات بابتعاده عن المناقشات التي تثير وقوع الخطأ من قبل الطبيب أو عدمه، بترك الأمر للجنة المختصة للوصول إلى القرارات السليمة بهذا الشأن، طبقا للمادة 5 من المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان.

أما المادة (27) من هذا المرسوم فقد حددت مسؤولية الطبيب في الحالات التالية:

إذا ارتكب خطأ أدى إلى الإضرار بالمريض نتيجة الجهل بأمور فنية أو عملية يفترض في كل طبيب الإلمام بها.

إذا لحق ضرر بالمريض نتيجة لإهمال الطبيب أو تقصيره في العناية به.

إذا أجرى على مرضاه تجارب أو أبحاثا علمية غير معتمدة من قبل وزارة الصحة، ترتب على ذلك الإضرار بهم.

وتختص اللجنة المنصوص عليها في المادة 5 من هذا القانون بتقرير حدوث الأخطاء المشار إليها.

ونستخلص مما سبق، أن المشرع قد حدد بشكل أساسي صور الأخطاء التي يقع بها الطبيب نتيجة لممارسة الأعمال الطبية دون الدخول في المسائل الفنية التي تركها لأهل الخبرة من الأطباء لكشف بعض الجوانب الفنية التي قد تتصل بالخطأ وتوضح مسؤولية الطبيب عن أعماله، وهنا يكمن إشكال آخر في صعوبة إثبات الخطأ الطبي.

إذ جاءت نصوص القانون خالية من أي تعريف للخطأ الطبي بشكل خاص، وإن كانت تعرضت لمفهوم الخطأ بصفة عامة في قانون العقوبات البحريني، حيث اكتفى المشرع بذكر صور وأمثلة مختلفة للخطأ بشكل عام كالإهمال وهي صور وردت على سبيل المثال لا الحصر.

فالطبيب بهذه الصورة إذن سيخضع للقواعد العامة التي يتم تطبيقها على الشخص العادي، ولكن أمام الطبيعة الخاصة التي تمتاز بها مهنة الطب فلم يعد مقبولا أن يتساوى مع الشخص العادي كونه مطالبا بممارسة درجة أعلى من الحيطة، فخطورة مهنة الطب القائمة على جسم الإنسان والمحمي من جميع القوانين والدساتير، تفرض ضرورة تبني قواعد جديدة في المسؤولية الجزائية الطبية بشكل تعكس فيه طبيعة خطورة المهن الطبية، من ناحية ومن ناحية أخرى توفر الحماية الجزائية للمرضى من أخطاء الأطباء التي تهدر حقهم في الحياة وسلامة البدن.

ولكن يبقى السؤال، هل هذه القوانين المطبقة كافة لتحديد الخطأ كونه ارتكب عمدا أو عن غير عمد لردع الأخطاء الطبية؟ أم يتوجب الإسراع في إفراد مهنة الطب بنصوص تشريعية مستقلة، بإقرار قانون ينظم هذه المهنة بشكل قانوني يضمن حماية الطبيب والمريض، ويجنب المرضى ويلات الأضرار الناجمة عن ارتكاب الأخطاء الطبية.

مع العمل على إنشاء قضاء مختص، أو على الأقل تكوين القضاة في هذا الشق المعقد للغاية وهو شق المساءلة الجنائية للأطباء عن أخطائهم الطبية.