ومضات

يوليو وفلسطين

| أحمد سند البنعلي

يبدو أن هناك ارتباطا بين ثورة الثالث والعشرين من يوليو والقضية الفلسطينية، قضية العرب الكبرى، مع أن الكثيرين يتباهون بموقفهم من هذه القضية وحماسهم لها، إلا أن الحقيقة التي تتأكد يوما بعد يوم أنهم - أيا كان الفكر أو التيار الذي يسيرهم - أبعد ما يكون عن موقف ثورة يوليو من هذه القضية بسبب الرؤية الصحيحة التي كانت تلك الثورة تتبناها من هذه القضية وفهمها الصحيح وتمييزها الواقعي في موضوع تحديد العدو من الصديق لأمتنا العربية.

تمر علينا الذكرى الخامسة والستون لتلك الثورة العربية الكبرى، نقول كبرى لأنها غيرت حال الأمة من حال إلى حال آخر وأرست فكرا حيال قضية فلسطين لم يقو فكر أو تيار آخر على إرسائه والعمل عليه كما فعل عبدالناصر وثورة 23 يوليو العربية، ونقول عربية لأنها لم تكن تحمل رؤية قطرية تخص القطر المصري التي قامت فيه، بل كانت رؤيتها وممارساتها وما تحمله من فكر، كل ذلك يرى مصر جزءا من أمة وعنصرا من عناصر تكوينها وفلسطين هي القضية المحورية لهذه الأمة وأرض فلسطين تسبق أية أرض عربية أخرى، وهذا ما ترجمه عبدالناصر حين تلقى عرضا بانسحاب قوات الكيان الصهيوني من شبه جزيرة سيناء بعد احتلالها في حرب حزيران، فكان رده ان غزة والضفة الغربية قبل سيناء.

عندما كانت ثورة يوليو وعبدالناصر في قيادة الأمة العربية شعبيا وسياسيا كانت فلسطين قضيتنا، وكان تحريرها الهواء الذي نستنشقه والماء الذي نشربه والغذاء الذي نقتاته يوميا، كانت محور السياسة العربية وعلى قمة جدول أعمال القمم العربية واللقاءات التي تجمع العرب ببعضهم أو مع أية قوة أخرى، بل كانت هذه القضية بفضل ثورة يوليو أساس علاقة الكثير من الدول الأفريقية والآسيوية واللاتينية مع الغرب، ولم يتمكن الكيان الصهيوني من وضع قدمه في تلك القارات إلا في نزر يسير عندما تبوأ سدة الحكم في تلك الدول عميل من عملاء الغرب كما رأينا في إيران وتركيا حينها، أما الصورة العامة والطبيعية في عصر ثورة يوليو وعبدالناصر لم تكن وسيلة إعلامية سواء إذاعة أو تلفزيونا أو وسيلة مقروءة تجرؤ أو ترغب في الحديث عن “إسرائيل” كدولة أو كيان قائم، بل كان الحديث باستمرار عن الكيان الصهيوني وفلسطين العربية المحتلة والصراع العربي الصهيوني، وكانت المفردات الإعلامية في صورتها العامة ترسخ في العقل العربي تلك الرؤية وتنمي في الوجدان العربي والشباب العربي الارتباط بالقضية الفلسطينية والرغبة في تحريرها وعودتها “من البحر إلى النهر” إلى الحضن العربي، أما بعد غياب عبدالناصر فالحال أصبح غير الحال.