ومضة قلم

صورة الآخر

| محمد المحفوظ

إنّ صورة العربيّ لدى الآخر شابها الكثير من التشويه والاختلال، لذا فإنّها تجسد معاناة لدى كل فرد عربيّ، وكان لابدّ لموضوع بهذا الأهمية أن يستدعي المهتمين من مفكري الأمة وعلمائها لتدارس القضية والوقوف على أبعادها. 

وضمن مشروع نقل المعارف التابع لهيئة البحرين للثقافة والآثار وإيمانا من القائمين على الهيئة بأهمية تعميق الحوار بين الثقافات عقدت في البحرين ندوة بالغة الأهمية كان موضوعها “صورة الآخر.. نظرات متقاطعة”. انطلاقة المشروع كانت في عام 2014م، إذ تمت ترجمة خمسين كتابا باللغة العربية في مجالات الثقافة واللغة. أما الفلسفة التي يقوم عليها مشروع بهذه الأهمية فإنها ما تقدمه من دور فعال لخدمة مجتمعاتنا العربية. 

يبدو لنا أنّ الأساس في تقبل صورة الآخر أنه لابدّ من تعميق المعرفة به أكان الآخر فرداً أم جماعة أم ثقافة، لتفادي إطلاق الأحكام المسبقة ومن ثم تشويه العلاقة به وتعطيل الحوار معه. في هذا الإطار يؤكد باحثون في الفكر العربيّ أنّ الانفتاح على الآخر أو قبوله لم يرد ذكره كمصطلح في المراجع التاريخية حتى إبان عصور ازدهار الحضارة الإسلامية، لكنّ الثابت تاريخيا أنّ الثقافة العربية انفتحت على الثقافات والحضارات الأخرى دون أي عقد من أي نوع، وبالأخص الحضارات العريقة كالحضارة اليونانية والهندية وكانت النتائج ازدهارا ونهوضا حضاريا، وما نود ان نقوله هنا إنّ الاتصال بالآخر لم يشكل هاجسا وخشية للعرب في العصور السالفة، وفي المراحل التي شهدت تقوقعا على الذات – لأسباب عديدة - فإنّ النتائج كانت انحطاطا على كل الأصعدة. ومما تقدم يمكن استنتاج أن التعرف على الآخر كان حصيلة تجربة حضارية وعبر تجارب وخبرات لآخرين ونتيجة معاناة مرت بها الشعوب. 

ويجدر بنا - ونحن نقف على واحدة من أعقد القضايا ألا وهي صورة الآخر - أن نتأمل ما توصل اليه أبرز المشتغلين في حقل علم الاجتماع “الطاهر لبيب”، هذا المفكر برع كثيرا في تفكيك صورة الآخر. يذهب لبيب إلى أنّ المشكلة التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية أنها مكبلة بـ “ثقافة الخوف” وحسب توصيفه انّ الخوف غدا خوفا معولماً يتم تسويقه للتأثير على مجتمعاتنا العربية، وإنّ الإنسان العربي كما قال “لو لم يخف لانقرض”! ولا مخرج من هذه الثقافة إلاّ بالمجتمع المدني القادر على تفكيك ثقافة الخوف. 

تعد النزعة العاطفية من معيقات التعرف على صورة الآخر بين فردين أو شعبين أو ثقافتين، والخطورة في تحكم هذه النزعة هو “إصدار أحكام تغيب عنها الموضوعية”، وغياب الموضوعية يعني أنّ قيمة الآخر الفكرية أو المعرفية أو الثقافية يشوبها النقص والتشويه.