ومضة قلم

“أميركا المتوحشة”

| محمد المحفوظ

نتذكر الفيلم الذي ضرب أرقاما قياسية في عدد مشاهداته، وحاز عددا من الجوائز وعرض قبل أكثر من أربعين عاما، وبالتحديد في عام 1969م. ويحمل اسم “إنّهم يقتلون الجياد أليس كذلك؟”، كان موضوعه أنّ عملية سباق للجري في دائرة واسعة خصصت لها جائزة كبرى تكفي لكي يسيل لها لعاب كل المغامرين. أثناء السباق يتساقط المغامرون واحدا بعد الآخر إعياء أو موتاً بينما القائمون على السباق يستمرون في المتاجرة غير عابئين بأعداد القتلى ومهما كانت الكوارث الإنسانية التي يخلفها. قصة الفيلم أرادت أن تقول باختصار شديد إنّ الرأسمالية المتوحشة التي يجسدها نظام الولايات المتحدة الأميركية لا تتورع عن المتاجرة بالبشر لتحولهم إلى جياد تستنزف طاقتهم فإذا ما حلّ بهم التعب وجب إطلاق النار على رؤوسهم. الفترة التي تدور فيها أحداث الفيلم هي عقد الثلاثينات من القرن الماضي التي شهدت فيها الولايات المتحدة الأميركية تفشي الجوع جراء الانهيار الاقتصادي. تداعت إلى ذهني أحداث الفيلم وأنا أتابع حملة الانتخابات الأميركية التي تشتد هذه الأيام بل إنّ حدتها بلغت بين مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون ومرشح الحزب الجمهوري ترامب إلى استخدام الألفاظ النابية. لابدّ من الإقرار بأنّ الانتخابات تنطوي على إيجابية وهي بلا شك من مميزات المجتمع الأميركي فهو يراقب أداء المرشحين على مدى أشهر، وكل واحد منهما يحشد ما يمكن من إمكانات لإقناع الجمهور بأنه الأجدر للوصول الى رئاسة الدولة وبالطبع يصبح فيما بعد من العظماء الذين يدخلون التاريخ. الملاحظ لدى أي متابع للانتخابات الأميركية أنّ مرشح الحزب الجمهوري لا يكف عن إطلاق التهديدات لدول محددة وبينها بالطبع دول عربية إذا ما حالفه الحظ بالرئاسة بدفع مبالغ قدرت بالمليارات، بيد أنّ المنافسة بين المترشحين بلغت بكليهما نعت الآخر بأبشع الأوصاف. كلينتون اتهمت ترامب بالوقوف إلى جانب البيض المتطرفين مثل منظمة الكلوكلوكس كلان والنازيين الجدد، وهذا الأخير اتهم منافسته بأنها متهورة ومندفعة وليست لديها تجربة سياسية بل لا تمتلك الصفات المطلوبة لتصبح مرشحة الحزب الجمهوري، وترامب لم يتردد في شتم منافسيه بأوصاف من قبيل “السخيف والكاذب” بل إنه اتهم كلينتون بـ “غير الشريفة”! ما يميز ترامب أنه يتمتع بعزيمة سياسية هائلة واعتداد بالنفس بلا حدود عندما طرح نفسه منقذا لأميركا التي أصبحت حسب قوله “أضحوكة العالم”، غير أنّ الذي جذب الأميركيين الى تجمعاته هو مهاجمته السياسيين التقليديين ووصفه لهم بـ “الأغبياء”، وفي الوقت ذاته دغدغ مشاعر الأميركيين في حالة فوزه بـ “طرد 11 مليون مهاجر غير شرعي”!!.