الفارون من جحيم الفلوجة (1)

| صافي الياسري

تردني على بريدي الإلكتروني من الكثير من الأصدقاء والمتابعين، صور تفطر القلب للفارين من الفلوجة في هذا الصيف الكارثي الذي تزيد التهابه ومرارته عواصف الغبار وانعدام وسيلة النقل فضلا عن انعدام الأمان وبشاعة الخوف من كل شيء خصوصا بين الاطفال وكبار السن، والخوف هنا الوان، خوف كبار السن من عدم القدرة على المواصلة سيرا على الاقدام الى الهدف المنشود وتكرار سقوطهم اعياء، وخوف الاطفال والنساء والرجال فهم بين سندان داعش ومطرقة القوات الامنية والجيش والشرطة والميليشيات الايرانية التي تتربص بهم انتقاما وجوعهم وعطشهم، كما رأيت صورا مفزعة على الفيس بوك تداولها ناشطون كما اورد تقرير نشرته عين العراق نيوز، ومشاهدات في أطراف منطقة النعيمية ومشارف الحبانية، وهي تنتظر سيارات المساعدات، يظهر فيها أطفال حفاة الأقدام، ونساء، ورجال ينتظرون المساعدات الإغاثية، بعد نجاتهم من بطش تنظيم داعش. وتناقل صحافيون هذه الصور مطالبين الجميع بالوقوف معهم لتفادي أزمة إنسانية ستطال آلاف العراقيين، وكتب زميلنا الصحافي عمر الشاهر تعليقا على صورة للنازحين “اهل الفلوجة في العراء الآن.. نازحون صائمون، لا يحفهم سوى التراب.. فهل من مغيث؟”. وجاءت أغلب التعليقات مطالبة حكومة الفلوجة ومحافظة الأنبار بتفقد النازحين، والوقوف على حاجاتهم، واستنجد البعض بأن على العراقيين كافة مساعدتهم، في حين صب بعضهم جام غضبه على الحكومة، محملين اياها مسؤولية ما يحصل. وتسعى الحكومة بتكاسل واضح الى توفير بعض ما يمكن توفيره للعوائل، ومع ذات الوقت، يجري جهاز الاستخبارات التحقيق معهم، للوصول الى من يكون قد اشترك في عمليات ضد المدنيين أو القوات الأمنية، من مدنسي التنظيم. وتمضي التقارير على هذا المنوال لتذكر بأنه منذ انطلاق عمليات تحرير مدينة الفلوجة – على حد تعبير وسائل الاعلام المحلية - في الـ 22 من ايار الماضي، التي سبقها احكام طوق عسكري غير محكم في احيانٍ كثيرة، بدأت معظم عوائل اطراف قضاء الفلوجة الهروب والنزوح من بطش داعش اولا وللابتعاد عن مناطق الصدام العسكري ثانيا، بيد ان العوائل التي بقيت داخل الفلوجة والتي يحكم تنظيم داعش الارهابي طوقاً محكماً عليها يتجاوز عدد افرادها الـ 50 الف شخص حسبما تقول المصادر الأمنية والمحلية في القضاء. ومنذ ان باشرت القوات الامنية إطلاق اول رصاصة باتجاه العدو باشرت يومها العوائل الفلوجية النزوح لمناطق آمنة هيأت بعضها الحكومة العراقية والقوات الامنية، حيث تقول احصائيات رسمية صادرة من الحكومة، ان أعداد العوائل التي تم اخراجها من المناطق التي اعتبرت ساحة للعمليات العسكرية لتحرير مدينة الفلوجة وصلت الى 930 عائلة، بينما بقي ما يقارب الـ 50 ألف شخص داخل المدينة حسبما تقول المصادر الأمنية. وزارة الهجرة العراقية أعلنت رسميا عن آخر إحصائية لها لأعداد العوائل النازحة من الفلوجة، مشيرة الى وصول 930 اسرة نازحة من قضاء الفلوجة واطرافها الى مخيمات عامرية الفلوجة في محافظة الانبار. أين ذهبت العوائل؟ معاون مدير فرع الوزارة في المحافظة ماجد حميد أوضح في بيان صحافي ان كادر فرع الوزارة في الأنبار استقبل 930 عائلة نازحة من الفلوجة اثر عمليات تحريرها من عصابات داعش الاجرامية، موضحا ان كادر الفرع وزع بين النازحين 930 سلة غذائية و930 سلة صحية و930 مروحة هواء شحن فضلا على 2790 من الافرشة ومثلها وسادات. في حين اعلنت الوزارة في وقت سابق ان اعداد العوائل التي وصلت هو 868 عائلة نازحة من قضاء الفلوجة الى مخيمات عامرية الفلوجة والمدينة السياحية في الحبانية. الوزارة ذكرت في بيان سابق أن “نحو 868 عائلة نزحت من قضاء الفلوجة، مبينا أن تلك العوائل “موزعة على 852 عائلة في مخيمات عامرية الفلوجة و16 عائلة في مخيمات المدينة السياحية”. بينما اعلنت قيادة عمليات بغداد، استقبال 500 عائلة نازحة من مدينة الفلوجة الى محور عمليات غرب بغداد. وقال بيان للعمليات ان “القوات الامنية في محور فوج استطلاع قيادة عمليات بغداد تمكنت من استقبال 500 عائلة نازحة من بطش العصابات الارهابية وتم اصطحاب العوائل الى اماكن آمنة”. تلاحظ عزيزي القارئ أن الاعداد التي استقبلتها الجهات الحكومية والقوات العسكرية، أعداد قليلة قياسا الى عدد سكان المدينة، كما ان الخدمات المقدمة لهم ضئيلة، ونلاحظ ايضا غياب المنظمات الانسانية المحلية والعالمية وغياب مكتب الامم المتحدة في العراق وغياب منظمات المجتمع المدني التي يفترض ان تنشط في مثل هذا الظرف لمساعدة السكان، اما عن سبب عدم هروب السكان من قبل، فهو بين وواضح، ذلك ان داعش كانت تعدم من يحاول الهرب، كما فشلت الحكومة في أن تؤمن لهم ممرات آمنة للهرب، اضف الى ذلك ان تنظيم داعش كان يخوف الجميع من ان الجيش وميليشيات الحشد ستقتلهم على انهم دواعش، وقد نشرت بينهم اشاعات كثيرة بهذا الخصوص.