ستة على ستة

المستشار سليماني

| عطا السيد الشعراوي

في الوقت الذي امتلأت فيه الساحة العربية على الصعيدين الرسمي والشعبي بالاستياء من الدور الخطير الذي يقوم به قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في عدد من الدول العربية وعلى رأسها العراق، أعلن وزير الخارجية العراقي بكل وضوح عن وظيفة هذا السليماني وأنه يتصرَّف كمُستشار، معربًا عن استغرابه من الانتقادات التي توجه لوجود هذا الرجل في العراق، مؤكدًا أن ظاهرة الاستشارة العسكريّة موجودة على الأرض العراقـيّة، وضمَّت دولاً كثيرة، كأميركا، وبريطانيا، وكندا، وكثير من دول العالم بطلب عراقي، أو بإذن عراقي يأتون بفيزا، ويمارسون دورهم كمستشارين. من حق الحكومة العراقية وأية حكومة أو مؤسسة أن تستعين بمن تجد فيه الكفاءة ليقوم بأية مهمة تريدها كما أنه من حقنا أيضًا أن نقيم ونحلل ونتساءل ونتناقش، وأن نربط بين المهمة وبين من يقوم بها ويؤديها وكذلك السياق الذي يعمل فيه والجهة التي ينتمي إليها والتخصص الذي يبدع فيه. فمن غير المعقول على سبيل المثال أن أستعين بطبيب لمهام عسكرية مهما بلغ من العلم والكفاءة، وإلا قلنا على الفور إن هناك أبعادا غير منظورة لهذه الاستعانة أو مهام أخرى بخلاف المعلن عنها، كما أنه ليس من المقبول أن ألجأ أو أستعين بالخبرات الإسرائيلية حتى لو وصلت القدرات لأعلى مستوياتها، وذلك لاعتبارات كثيرة أخلاقية وعملية مفهومة ولا داعي لشرحها، وعندما تخترق دولة ما وتتجاوز هذه الاعتبارات وتستعين بإسرائيل، فإنها تكون موضع اتهام وانتقاد بكل تأكيد. وعندما يلجأ العراق للاستعانة بالخبرات الإيرانية وفي المجال العسكري تحديدًا فإن ذلك يجب أن يثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب وخصوصا في ظل طبيعة العلاقات المتوترة والصدامات المتتالية بين ايران ومعظم الدول العربية والإسلامية وبسبب التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لتلك الدولة ومحاولاتها المستمرة في بث الانقسام والفتنة وإثارة الفوضى في إطار مخطط إضعاف تلك الدول والسيطرة عليها، وجميعها أمور واضحة ولا تحتاج لتفسير مطول وخصوصا بعد قرارات قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران التي اتخذتها كثير من الدول الإسلامية. يضاف إلى ذلك الحقيقة الواضحة في سيطرة إيران على مقاليد الأمور في العراق من جميع النواحي ومن بينها: السياسية والعسكرية، وهو ما كان يفرض على العراق أن يذهب ويصر على الموقف الذي يطمئن أشقاءه العرب وليس “العناد” والسير عكس الاتجاه العربي وإغلاق الباب أمام أية محاولات تبذل لإعادة العراق للعرب وعزله عن إيران. أما عن سليماني نفسه، فمعروف أن خبراته منصبة في القتل والإجرام وقيادة المعارك ضد السنة سواء في العراق أو في سوريا، وحتى لو سلمنا أنه يمتلك مؤهلات تؤهله لأن يكون مستشارًا عسكريًا للحكومة العراقية كغيره من المستشارين من دول اخرى كأميركا وبريطانيا، فهنا نتساءل عن أسباب هذا الاهتمام الزائد بهذا المستشار الإيراني وتدليله والسماح له بالمشاركة في عمليات ذات حساسية عالية كتلك التي تدور حاليا في الفلوجة، رغم أن المستشار يقتصر دوره على تقديم النصح والمشورة العسكرية والمعلومة الاستخبارية وليس التحول لقائد ميداني نشط على الأرض يقود ميليشيات الحشد الشعبي في معارك ما يسمى بتحرير الفلوجة ويتباهى هو نفسه بهذا الدور وينشر صوره وهو يقود المعارك. إذا كانت الحكومة العراقية بالفعل بحاجة لمستشار عسكري رغم ما بها من كفاءات على أعلى المستويات العسكرية والعلمية، فكان الأنفع لها والأحوط أن تلجأ للخبرات والاستشارات العربية وما أكثرها أيضًا لكي تنأى بنفسها بعيدًا عن دائرة خطيرة ومثيرة للشكوك.