بداية المشوار... الفيلم التسجيلي "صائد الدبابات"

المخرج خيري بشارة في ذكرى ميلاده

| أسامة الماجد

30 يونيو الماضي كان ذكرى ميلاد المخرج المصري الكبير خيري بشارة، أحد أهم المخرجين العرب وصانعي السينما الجديدة في مساراتها المتناقضة والموازية، وعند الحديث عن المخرج بشارة يستذكر المشاهد العربي فيلمه الشهير "آيس كريم في جليم" وفيلم "أمريكا شيكا بيكا"، وفيلم "يوم مر ويوم حلو" وفيلم "كابوريا" وفيلم "العوامة 70" وفيلم "حرب الفراولة". ولكن قد يغيب عن بعض المتابعين لأعمال هذا المخرج أنه قدم إلى السينما العربية من أهم الأفلام التسجيلية إثارة بتفاصيله واكتسب سمعة دولية وهو فيلم "صائد الدبابات" من إنتاج 1974، وقد عرض قبل أيام في المركز القومي للسينما في جمهورية مصر العربية الشقيقة احتفالا بذكرى ثورة يونيو.

شاهدت الفيلم الذي يعتبر الأول للمخرج بشارة قبل نحو عامين أو ثلاثة ويبرز "انتصارات الجيش المصري، حيث يأخذنا المخرج إلى ميدان المعركة مباشرة بعد انتهاء المعارك لدى مقاتلي أحد المواقع وندخل طرفا في الحديث عن عدد الدبابات التي دمروها ويكمل كل منهم كلمات الآخر برغم اختلافهم في التفاصيل الخاصة، فهي لحظات خاصة وعامة، صنعها كل منهم على انفراد وصفوها معا، ونتعرف من بينهم على المقاتل عبد العاطي الذي دمر أكبر عدد من الدبابات الإسرائيلية، وعندما تركز الكاميرا عليه وعلى ما أنجزه ندرك أنه لا يستطيع أن يفضل بين ما فعله وما فعله زملاؤه وبالتالي تنسحب الرؤية الذاتية إلى رؤية شمولية وترتد الكاميرا إلى عالمه وبالتالي الحياة مع الكفاح المستمر للتعليم ثم العمل للارتقاء بالأسرة البسيطة، مع الأصدقاء في الساحة الوحيدة بالقرية ومشاعر الحب لابنة الخالة وتفكير في الزواج يمنعه الضيق المادي والفقر. نحن نرى تلك الرؤية المشتركة بين عبدالعاطی وزملائه من خلال روايتهم لأنفسهم عبر مونتاج متوازي بين حكايات النضال في الموقع وآمالهم في الحياة من خلال مشاهد الحياة الخاصة لعبد العاطي، وبسلالة تنتقل عدسة المصور لتقدم لنا هذه الأعمال على أرض الواقع في سيناء وتستخدم ضوء الشمس الساطع، ثم لقطات للقرية الضيقة لتعطى نصف ضوء ونصف ظل يجسد معاناة المقاتلين وماذا بعد معاناة الميدان، وعندما يتحقق جزء من تلك الآمال ويحصل عبد العاطي على شقة ليتزوج فيها تدخلها الكاميرا بأوسع فتحاتها لتقدم ذلك الشعاع الذي بدا وتنسحب الكاميرا من دنيا عبد العاطي وقد غمرها ضوء الشمس. إن هذا الفيلم يعتبر تراثا ثقافيا حقيقيا، ويعبر عن مشاعر المخرج بشارة تجاه انتصارات حرب أكتوبر المجيدة، ورغم أنه بدأ مشواره في السينما مع الفيلم التسجيلي، إلا أنه نجح في لغتها العامة – أي السينما – لأنه أحبها وكف عن التميز بين أنواعها، وما يؤسف له حقا ابتعاده عن الإخراج لفترة طويلة وخروجه في مناسبات قليلة متفرقة. المخرج خيري بشارة حكاية فريدة في السينما العربية وفي مفهوم الإبداع في شتى عناصر التقنية السينمائية وبحثه في الحياة، وقراءة شامله لسينماه تضعنا دائما أمام أسئلة مفتوحة وحالة خاصة تعيد تركيبها