الحلم بقطف الياسمين من على القمر

| أسامة الماجد

على مر التاريخ هناك كتاب يجيدون التعامل مع الملهاة ويستطيعون وصف البيئة كما يشاءون والأخلاقيات والبناء الاجتماعي برؤى فنية مذهلة، أحد هؤلاء الكاتب اليوناني “ميناندر” الذي يحتاج إلى قراءة وفحص غير مألوف، فما إن دخلت عالمه بقراءة عدد من مسرحياته، عرفت أنني أمام كاتب ثائر من طراز فريد يستحق التقدير والإعجاب، وله مقدرة فائقة على التفكير الشامل والنظر للأمور من زوايا مختلفة في وقت واحد، بحيث يرى فيها من تضارب ليس بالنسبة له إلا المظاهر المختلفة للمشكلة التي يبحثها. فهذا الكاتب كان يعرف جيدا ما ينتاب وطنه من أزمات نفسية وأخلاقية واقتصادية، ويعلم أيضا ما أودى به إلى مثل هذا المصير البائس التعس، ومن ثم نلحظ أنه يصور حالة مجتمعه بضمير مشفق وعقل متزن. يدرك علات الأمور إدراكا كاملا ويضفي على إحساس الفنان الثائر حكمة المؤرخ الذي يبصر فيما وراء الأحداث الدوافع الكامنة والأفكار الخفية. لقد فقد المجتمع اليوناني في زمنه الكثير من أصالته ومميزاته، وذلك بعد أن خسرت أثينا مجدها وهيبتها وانهار عصرها الذهبي وسيطر عليها منطق العنف الدخيل اثر هزيمتها في الحرب البليونيزية، غير أن الفشل السياسي والعسكري الذي لحق بأثينا لم يفقد أهلها روحهم المميزة، إنما تمسك الأثينيون رغم اندثار المجد السالف بخصوبة أفكارهم وصلابة أخلاقهم واتخذوا من المذاهب الفلسفية وخصوصا الأبيقورية والرواقية نظما وقواعد يؤمنون بها ويستلهمونها في شتى أفعالهم وسلوكياتهم. لقد كان “ميناندر” يجد في المحبة خلاصه الوحيد من كل الآلام الإنسانية، وهذه الإنسانية هي التي خلعت عنه ثوب الفلسفة المنهجية كما حادت به عن طبيعة الشاعر الساخر، وهو يشبه في هذا الكاتب الإيطالي “البرتو مورافيا” الذي كان يحلم بقطف الياسمين من على القمر. كاتب بحريني