أبطال التفاهة: “واجب التقليل من الاحترام”

| كمال الذيب

قبل سنوات قليلة، ومع بدء انتشار وسيادة وسائل التواصل الاجتماعي وسيطرتها على حياتنا، كنا نتلمس بدايات التفاهة السائحة في ثنايا تلك الوسائل، بين أوساط المراهقين والعابثين وأصحاب “الطلعات” الخارجة عن المألوف، من تقليعات وموضات تافهة وقصات شعر غريبة، ونصوص الشعر الهزلية، والصور الفنتازية التي سريعا ما يلتصق بها الذباب، فيرتفع شأنها وتتحول إلى مادة للإعجاب والاستحسان والمتابعة.

ومن الطبيعي - والحال هذه - أن يتوارى كل ما هو جدي و”ثقيل” الوزن والدم، من فكر وعلوم وأخلاق وتربية وتشكيل ومنطق وسياسة.. وأن تصبح قمم الجبال مسـرحا للقبرات والخنافس والجعلان، ويتحول السَفح مسـرحاً للنسور والصقور، ويتوارى العلماء والمفكرون والأدباء الحقيقيون إلى الخلف منعزلين في حلقات ضيقة، حتى أصبحوا ككائنات منبوذة في عالم التفاهة الذي ساح فأغرق، وفاح فأزكم. وأصبح للتفاهة أبطال، أسماؤهم لامعة طاغية، وعناوين يستدل بها، ورموز يشاد بها. بل مس الأمر بعضَ المجالات المعنية أصلاً بمقاومة التَفاهة والهزال والسخافة.

فأصبح لدينا في كل مجال أبطال تافهون والحمد لله، مهيمنون بحضورهم الطاغي، ولم يعد أمام أصحاب الجد إلا العزلة والهرب من زحمة التافهين السعداء، إذا ما أرادوا الحفاظ على ما بقي من إنسانيتهم وإبداعهم الذي يخبئونه كالسلع المهربة. ولذلك، قد تكون العزلة أفضل تطعيم ضد التفاهة.

وأستذكر هنا “فضائل العزلة المنتجة” للكاتب الصحافي الفرنسـي كلود جوليان، في مقاله المنشور في صحيفة لوموند ديبلوماتيك بعنوان: “واجب التقليل من الاحترام” والذي جاء فيه أن “الكاتب الحقيقي بات يفضل الهروب من الوصولية والتفاهة إلى الانعزال بعيداً عن الضجيج الذي يشوش الرؤية والعقل ويشل التفكير، في هذا العالم السكران باهتياجه، فلا تزال فعالية العزلة والتأمل حاضرة في عالمنا رغم فساده وتفاهته..”. إن أسوأ ما في هذه التفاهة أنها تتبدى كل يوم في هذا الكم الهائل من الهراء الذي يخنقنا. إلا أنها في النهاية ستبقى خارج نهر الحياة الحقيقية المتدفقة عبر المياه الصافية، لأنها مجرد هباءات لا تأثير لها في جوهر الحياة، ولا مكان لها في الأمل القادم، مهما ساءت أوضاعنا.

* كاتب وإعلامي بحريني