ما لم يكتبه طه حسين

| رضي السماك

كم هو مؤلم أن تقرأ بأن ما تبقى من تراثنا العربي الإسلامي لا يشكل سوى النزر اليسير من كنوزه الهائلة التي ضاعت أو أُحرقت أو أُتلفت؛ بفعل عوادي الدهر والبيئة أو الحروب والغزوات التي تعرضت إليها مراكز الحضارة العربية الإسلامية، وعلى الأخص مركزها الأول في بغداد، وعلى هذا النحو يمكن القول كم هو مدعاة لأشد الأسف حالما يغادر دُنيانا واحد من كبار الأدباء أو المثقفين أو الفنانين أو العلماء وهو في عز عطائه الذي تخصص فيه. وبهذه المعاني أيضاً يمكنني أن أعبّر كباحث عن مدى ما يعتصرني من ألم ومرارة شديدتين لما قاله عميد الأدب العربي طه حسين في إحدى المقابلات التلفزيونية التي أُجريت معه، بأن المرض حال بينه وبين استكمال موضوعين مختلفتين.وأرى من جانبي أن هذين الموضوعين  عظيما الأهمية، وخاصة من الوجهة التاريخية السياسية. ففيما يتعلق بالموضوع الأول فإنه يتصل  بكتابه "الأيام"، إذ صرّح في اللقاء التلفزيوني الذي أعدته المذيعة ليلى رستم في برنامجها "نجمك المفضل" رداً على سؤال وجهه إليه المفكر محمود أمين العالم عما إذا توجد " أيام" أُخرى له لم تُنشر، فأجاب : " أرجو على كل حال أن أنشر الجزء الثالث في وقت غير بعيد".وهذا ما قاله أيضاً بهذا المعنى في الحوار التلفزيوني الذي أجرته معه أيضاً سميرة الكيلاني (زوجة العالم) في برنامجها التلفزيوني" كاتب وقصة" إذ صرّح رداً على سؤالها عما إذا توجد "أيام" غير "الأيام" التي كتبها: " أريد وأتمنى أن أتم كتاب "الفتنة الكبرى" الذي كتبت منه جزئين وبقي منه جزء... وأسأل الله أن يمنحني من الصحة ما يمكنني من إتمام هذا الكتاب، ومن إتمام كتاب الأيام إذا أمكن هذا أيضاً". وموضوع الجزء الذي لم يتمه حسين من "الأيام"،طبقاً لتوضيحه حرفياً في المقابلة نفسها، يتناول :"... ما كان بيني وبين الملك فؤاد، رحمه الله، والملك فاروق، رحمه الله أيضاً، من اختلاف في السياسة، أنا أطالب بالديمقراطية والحرية، وهما يريدان أن يكون الأمر لهما وهكذا". كما أوضح أن هذا الجزء الذي لم يتمه يشمل أيضاً ما كان بينه وبين حزب "الوفد" من خلافات سياسية. واللافت هنا أن ثمة لغزاً غير مفهوم فيما يتعلق بأجزاء كتابه " الأيام"، فإذا كان من المتفق عليه أنه كتب الجزئين الأول والثاني في فرنسا 1929 و 1939 على التوالي، وأنه كتب الجزء الثالث في 1955 ونشره على حلقات في مجلة "آخر ساعة" فهل خانت العميد الذاكرة في تذكر الجزء الذي يعنيه عندما ذكر في حوار الكتّاب والأدباء العشرة معه في برنامج "نجمك المفضل": أرجو على كل حال أن أنشر الجزء الثالث؟  أما فيما يتعلق بالموضوع الثاني فيتصل بكتابه "الفتنةالكبرى" فقد تمنى العميد لو تمكن من إتمام الجزء الثالث منه. وهذا الجزء كما نرى فائق الأهمية للباحثين والمؤرخين وكل من يستهويه التاريخ السياسي للإسلام،فقد أوضح العميد أن موضوعه يختص ببعض المذاهب الدينية في التاريخ الإسلامي إلى أحزاب سياسية تطالب -على حد تعبيرالعميد- بالعدالة الاجتماعية والمساواة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء، وخاصةً أنه قد نشأ عن ذلك بعض الثورات الخطيرة، كثورتي الزنج  و القرامطة. كما نوّه العميد في الحوار التلفزيوني المشار إليه( نجمك المفضل) أنه لم يكمل روايته"ما وراء النهر" والتي كان ينشرها على حلقات في مجلة "الكاتب" التي كانت تصدر في أربعينيات القرن الماضي، وكان يرأس تحريرها هو نفسه، ثم توقفت فجأة عن الصدور، وتوقف بدوره عن تكملة حلقاتها. وأخيراً فقد تمنى العميد لو أُتيحت له الفرصة ترجمة أعمال الشاعرين الأغريقيين سبيروس، وأُربيد، وتمنى من يُقيّض له ترجمتها.