ملحمة وطنية

| د. عبدالله الحواج

لم يكن الاحتفاء بالعيد الوطني المجيد وعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم سوى مناسبة نتذكر فيها أمجاد أجدادنا، وإنجازات وطننا، لم تكن الذكرى سوى إحياء لبطولات تحققت، ودولة تجلت وتعاظمت، وأمة شبت على خُطا الأولين فأخرجت من التراث أحسنه، ومن الميراث الوطني الأصيل أنقاه وأفضله، ومن التاريخ الطويل أدقه وأجمله.

الجامعة الأهلية احتفت بالمناسبة على طريقتها الوطنية الخالصة، على إيمانها بأن هذا الوطن وقادته وشعبه كفيلون بإعادة أمجاد الماضي، واستلهام العبر منه، واستنهاض الهمم لكي تحقق في الحاضر والمستقبل ما هو أكثر تكيفًا مع احتياجات المجتمع، وتحديات المرحلة، وظروف المنطقة والعالم.

عندما تحدثنا عن العلم والتعليم، عن ردم الفجوة المعرفية مع الغرب، وعن أهمية التعاطي معها بالجدية المطلوبة، والصرامة والإصرار والعزيمة التي تستحقها، كنا نؤمن ومازلنا بأن العلم وحده هو الذي سيخرج بسفينة الوطن إلى شطآن أكثر أمانًا، وإلى حدود أقل خطرًا، وإلى آفاق أكثر اتساعًا وتأقلمًا مع مقتضيات القضايا اليومية المتلاحقة، والمشكلات الاقتصادية والمعضلات المعرفية المتمادية.

الجامعة الأهلية بوصفها الأولى زمنيًا من بين الجامعات الخاصة في المملكة، أيقنت منذ المهد من التأسيس أن المعرفة هي حجر الأساس الذي يجب أن نبني عليه صروحنا الحضارية المأمولة، والعلوم الحديثة هي البنيان المرصوص الذي ينبغي التعاطي مع لبناته وتفاصيله وخوارزمياته بالدقة والتطبيقات اللازمة.

إن العلوم الحديثة حققت لمجتمعاتها الكثير من المنجزات، ومكنتها من إيجاد علاجات حاسمة لقضاياها ومشكلاتها ومعضلاتها الصعبة.

وها نحن اليوم نحتفي بأعيادنا الوطنية، ودنيانا التي من حولنا صارت أكثر استعدادًا لاستقبال مختلف عوامل البناء التكنولوجي الحديث للعلوم، والتفاني المقدر من المجتمع لجهود العلماء في هذا المضمار.

إنه الوقت المحسوب بـ "الفيمتو ثانية"، أي أقل جزء محسوب من الثانية المقومة على ساعة جرينيتش التقليدية، كلما كنا قريبين من تحقيق إنجاز سنشعر بأننا بعيدين عن "الإنجاز"، وأن المشوار العلمي مازال طويلاً، وأن المعاناة من أجل أن نحقق شيء "ما" على طريق التقدم السريع سوف تكون أكثر تأثيرًا في منحنا إرادة قوية، وعزيمة أصلب، ونتائج أفضل.

من هذا المنطلق سوف نحرص كأساتذة جامعات على وضع بلادنا في المكان الصحيح، وفي الزمن الصحيح، وأن يكون ذلك التموضع الدقيق لابد له من أن يواكب معطيات الحداثة والمعاصرة، الأصالة والاستلهام من التراث، والاستعانة بإنجازات من سبقونا.

ربما تكون تجربتنا مع "غزة" منذ السابع من أكتوبر الماضي قد ساهمت في إفاقتنا من سباتنا العميق، وربما تكون تلك الإفاقة بداية لأمتنا بأن تهتم أكثر بالبحث العلمي، وأن تنفق أكثر عليه، وأن تتعاطى بجدية أكثر مع العلوم التي يمكن توطينها، والمعارف التي يجب أن يكون مقر إنتاجها في بلادنا بدلاً من أن نظل مستوردين لها من الغرب.

هي رؤية جديدة لواقع بدا مسترخيًا لزمن طويل، وآن الأوان لكي نهزه برفق، ونبني على منجزاته بقوة، ونشيد على ما تحقق بصبر ووعي وإرادة.

ونحمد الله ونشكر فضله أننا في مملكة البحرين نمضي على خُطا الأولين بثبات وحيوية، وأننا نتعامل مع الحقائق بإيمان عميق، وقدرات اكتسبناها عبر الزمن، ومن خلال ما تحقق في السابق من بناء وإنجاز، وكل عام وبلادنا الحبيبة بألف خير.